ورأيه في هذه الطريق واضح التهافت، لأن فيه هجراً لأصول شرعية أخرى، وهي ما ورد من وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقول، والسلف - رحمهم الله - ذهبوا إلى الجمع بين طريقي العقل والسمع، وكلاهما شرعي، إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين جميع الأدلة والبراهين الحسية، والعقلية والآيات الدالة على هذا المطلب أحسن بيان، فدل الناس وهداهم إلى الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية التي بها يعلمون المطالب الإلهية، من إثبات للربوبية والوحدانية، والصفات، والمعاد الجسماني، وغير ذلك مما يحتاج إلى معرفته بالأدلة السمعية، وما يمكن بيانه بالأدلة العقلية، وإن كان لا يحتاج إلى بعضها فإن كثيراً من الأمور يعرف بالخبر الصادق، ومع هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم بيّن الأدلة العقلية الدالة عليها، فجمع بين الطريقين؛ السمعي والعقلي.
فهذه الطريق التي سلكها البيهقي، إلى جانب الطريق العقلي السالف، طريق صحيحة لا غبار عليها، وانتقاد ابن رشد لها في غير محله، لأن السلف لم يوجبوا معرفة الله عن طريقها فحسب، بل يقرّون بسلامة الطرق العقلية السابقة، كيف لا وهي طريقة القرآن الكريم الذي جاء بطريق المعجزة إلى جانبها كما أوضحت.
ومهاجمة ابن رشد لأصحابها ضرب من الخصومة الفكرية المنحرفة لأنه - مع أخذه بجانب من الأدلة الشرعية، وهي العقلية المنصوص عليها - قد عطل جانباً آخر، دون مبرر. ولا غرو فهو فيلسوف، والفلاسفة يغلب عليهم الجانب العقلي مع نبذ سواه.