بجهل بالله لا يضاد الإيمان؟ قيل له: لأن الشيئين إنما يتضادان في محل واحد، وقد علمنا أن ما يوجد بالجوارح لا يجوز أن يُنفى علماً وتصديقاً، يوجد بالقلب فثبت أنه غير مضاد للعلم بالله والتصديق له. والدليل على ذلك أنه قد يعزم على معصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقلبه من لا ينفي عزمه على ذلك معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتصديقه له، وكذلك حكم القول في العزم على معصية الله عز وجل، وأنه غير مضاد لمعرفته والعلم به، والتصديق له هو الإيمان لا غير. فصح بذلك اجتماع الفسق الذي ليس بكفر مع الإيمان وأنهما غير متضادين.
فإن قال: ولم قلتم إنه يجب أن يسمى الفاسق الملي بما فيه من الإيمان مؤمناً؟ قيل له: لأن أهل اللغة إنما يشتقون هذا الاسم للمسمى به من وجود الإيمان به، فلما كان الإيمان موجوداً بالفاسق الذي وصفنا حاله، وجب أن يسمى مؤمناً كما أنه لما لم يضاد ما فيه من الإيمان فسقه الذي ليس بكفر وجب أن يسمى به فاسقاً. وأهل اللغة متفقون على أن اجتماع الوصفين المختلفين لا يوجب منع اشتقاق الأسماء منهما، ومن أحدهما، فوجب بذلك ما قلناه [1].
فمما تقدم يتبين لنا الرأي ودليله، وذلك الدليل الذي ساقه الباقلاني ذو شقين، أحدهما عقلي والآخر لغوي.
أما العقلي: فيقول إن الفسق لا يضاد الإيمان، لأن التضاد بين الشيئين لا يكون إلا إذا وجدا في محل واحد، والمعصية التي بها يكون الفسق محلها الجوارح، والإيمان عندهم محله القلب فقط. وما يوجد بالجوارح لا يجوز أن ينفي ما يوجد بالقلب، لأنه غير مضاد له، إذ قد يعص الله تعالى من هو مصدق بقلبه بالله ورسله، فصح بذلك اجتماع الفسق والإيمان.
وأما اللغوي: فهو أن أهل اللغة يشتقون تسمية الشيئ من صفة توجد [1] الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، كتاب التمهيد، ص349-350، نشر المكتبة الشرقية، بيروت، سنة1957م.