والأول هو الحق [1]. وهذا الكلام يدل على انقسام القوم في غفران الصغيرة إلى رأيين.
أحدهما: القول بأنها تُغفَر قطعاً نظراً لوعد الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه حيث قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [2]، وهذا إيجاب منه تعالى على نفسه بغفران الصغائر إذا اجتُنِبَت الكبائر فلا بد وأن الصغائر تغفر لا محالة تفضلاً منه سبحانه. وهذا الرأي هو المذهب المشهور عن الأشاعرة كما ذكر ذلك شارح ((المقاصد)) الذي يعتبر كتابه من أشهر الكتب التي يعتمد عليها أصحابه.
أما الرأي الثاني فهو القول بأن الصغائر يجوز أن تغفر، ولا نقول بالقطع لأن في ذلك إغراءاً بفعلها، وهو دليل عقلي بحت ولا يخفى ما بين الرأيين من تقارب؛ إذ كلها تتفق على أن الصغائر تغفر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً والخلاف في القطع بذلك أو عدمه. ولكن الرأي الذي يسنده الدليل هو القائل بأنه تغفر قطعاً إذا اجتنبت الكبائر لوضوح الأدلة على ذلك، ولا تخفى مؤاخذة صاحبها إن كانت تجرّه إلى فعل الكبيرة.
هذا بشأن حكم الصغيرة عند الأشاعرة أما حكم مرتكبي الكبائر، فالكلام في ذلك ذو شقين أحدهما الكلام في صفته وتسميته في الدنيا، والثاني الكلام في حكمه الأخروي. فأما تسميته وحكمه الدنيوي فقد ذهبوا إلى القول بأن مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق، لأن ارتكاب الكبيرة لا يُذهِب إيمانه كما ذهب إليه المعتزلة وإنما يؤثر فيه بالنقصان، فيُسلب منه كمال الإيمان، ويُقيَّد بما اتصف به من معصية وفسق، فيقال مؤمن فاسق. وفي هذا يقول أبو بكر الباقلاني في ((التمهيد)) : فإن قال قائل: فخبِّروني عن الفاسق الملِّي هل تسمونه مؤمناً بإيمانه الذي فيه، وهل تقولون إن فسقه لا يضاد إيمانه؟ قيل له: أجل، فإن قال: فلمَ قلتم إن الفسق الذي ليس [1] اللقاني، عبد السلام بن إبراهيم المالكي، اتحاف المريد بجوهرة التوحيد، ص158، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ،ط سنة 1379هـ ـ 1960م. [2] النساء: 31.