لأنهم جعلوا العرب يزاولون بدقة الأخلاق الإيجابية لدين واحد، ذلك أنه بالرغم من أن البدو في كل زمان عبدوا الله بإخلاص فإن المبادئ الإلهية وحدها لم يكن من المعتقد أن تكفي لتعليم أمة جافة صعبة المراس مزاولة الفضيلة والعدل.
ولقد دفعت رغبة ابن عبد الوهاب وخلفائه في إعادة العرب إلى الحالة التي كانوا عليها عند ظهور مؤسس ديانتهم إلى تغيير وضعهم السياسي بمجرد أن رأوا أتباعهم في ازدياد، وكان محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه القادة السياسيين والدينيين لأمتهم، وتوضح كتب الفقه الإسلامي في كل صفحة من صفحاتها كيف أنه من الضروري وجود زعيم أعلى في الشئون الدينية والدنيوية، وكانت نجد التي أصبحت المركز الرئيسي للقوة الوهابية مقسمة إلى عدد من المناطق والبلدان والقرى الصغيرة المستقل بعضها عن البعض الآخر، وكانت في حالة حرب مستمرة، ولم يكن يعترف فيها خلا بقانون القوي سواء في البادية أو داخل أسوار البلدان، وكان الأمان الشخصي دائما لا يتحقق إلا على حساب الملكية الفردية [1] .
وبالإضافة إلى ذلك كانت الحرية غير المحدودة للقبائل البدوية، وحروبها التي لا تنتهي، وغزواتها ذات السلب والنهب، قد جعلت نجدا وما حولها مسرحا للفوضى الدائمة وسفك الدماء، ولم يبسط عبد العزيز بن محمد ديانته على كل نجد إلا بعد كثير من الصراع الشديد، ولأنه لم يعد زعيم قبيلة، بل رئيس منطقة، تولى السلطة العليا، وجعل حكمه مشابها لذلك الذي زاوله الأوائل من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد رأى عبد العزيز من العبث أن يحاول استرقاق بني جلدته، ولذلك تركهم ينعمون بحريتهم، لكنه أجبرهم على أن يعيشوا بسلام، وأن يحترموا الملكيات الخاصة، ويطيعوا قرارات النظام " [2] .
ويقول أحد الرحالة الغربيين الذي سمى نفسه (علي بك العباسي) وقد حضر موسم حج سنة 1807 م، وكانت الحجاز تحت سلطة الدولة السعودية الأولى: [1] لم يكن الأمراء من أسرة عبد العزيز بن محمد الذي حكموا قبله زعماء قبيلة، بل كانوا أمراء لبلدة، وحين توسع حكمهم بعد اتفاقهم مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أصبحوا أمراء لمنطقة ثم لمناطق متعددة، فآل سعود في الدرعية قبل عبد العزيز وبعده، وكانوا أمراء حاضرة. (العثيمين) . [2] المصدر السابق (23 - 28) .