وأدخلوه إلى قاعة, وجاء السباع فأطلق الأسد عليه، واجتمعوا يرون كيف يسطو به ويفترسه.
قالت جدتي: فحدثني أبي، قال: حدثني جدك، أن السباع أطلق الأسد من ساجوره[1] وأرسله، فكانت المعجزة التي لم يفز بها خروف ولم تؤثر قط إلا عن جدنا، فإنه حسب الأسد خروفًا أجم لا قرون له، ورأى دقة خصره، وضمور جنبيه، ورأى له ذيلًا كالألية المفرغة الميتة، فظنه من مهازيل الغنم التي قتلها الجدب، وكان هو شبعان ريان، فما كذب أن حمل على الأسد ونطحه، فانهزم السبع مما أذهله من هذه المفاجأة وحسب جدنا سبعًا قد زاده الله أسلحة من قرنيه، فاعتراه الخوف وأدبر لا يلوي. وطمع جدنا فيه فاتبعه، وما زال يطارده وينطحه، والأسد يفر من وجهه ويدور حول البركة، والقوم قد غلبهم الضحك، والأمير ما يملك نفسه إعجابًا وفخرًا بجدنا. فقال: هذا سبع لئيم، خذوه فاخرجوه، ثم اذبحوه، ثم اسلخوه. فأخذ الأسد وذبح، وأعتق جدنا من الذبح، وكان لنا في تاريخ الدنيا: إنسانها وحيوانها أثران عظيمان؛ فجدنا الأول كان فداء لابن نبي، وجدنا الثاني كان الأسد فداءه!
قال الصغير للكبش: قلت: الذبح، والفداء من الذبح؛ فما الذبح؟
قال الكبش: هذه السنة الجارية بعد جدنا الأعظم، وهي الباقية آخر الدهر؛ فينبغي لكل منا أن يكون فداء لابن آدم!
قال الصغير: ابن آدم هذا الذي يخدمنا ويحتزّ لنا الكلأ، ويقدم لنا العلف، ويمشي وراءنا فنسحبه إلى هنا وههنا؟ تالله ما أظن الدنيا إلا قد انقلبت، أو لا، فأنت يا أخا جدي قد كبرت وخرفت!
قال الكبش: ويحك يا أبله! متى تتحلل هذه العقدة التي في عقلك؟ إنك لو علمت ما أعلم لما اطمأنت بك الأرض، ولرجعت من القلق والاضطراب كحبة القمح في غربال يهتز وينتفض!
قال الصغير: أتعني ذلك الغربال وذلك القمح وما كان في القرية، إذ تناولت ربة الدار غربالها تنفض به قمحها، فغافلتها ونطحت الغربال فانقلب عن يدها وانتثر الحب، فأسرعت فيه التقاطًا حتى ملأت فمي قبل أن تزيحني المرأة عنه؟ [1] الساجور: سلسلة الأسد والكلب ونحوهما.