وكيف تراني "ويحك" أخشى الذئب أو العصا، وأنا من سلالة الكبش الأسدي؟
قال الصغير: وما الكبش الأسدي، وكيف علمت أنك من نَجْله، ولا علم لي أنا إلا هذا الكلأ والعلف والماء والمراح والمغدى؟
قال الكبش: لقد أدركت أمي وهي نعجة قَحْمة كبيرة، وأدركت معها جدتي وقد أفرط عليها الكبر حتى ذهب فمها، وأدركت معهما جدي وهو كبش هَرِم متقدد أعجف كأنه عظام مغطاة، فعن هؤلاء أخذت ورويت وحفظت:
حدثتني أمي، عن أبيها، عن أبيه، قالت: إن فخر جنسنا من الغنم يرجع إلى كبش الفداء الذي فدى الله به إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- وكان كبشًا أبيض أقرن أعين، اسمه حَرير.
"قال": واعلم يابن أخي أن مما انفردت أنا به من العلم فلم يدركه غيري، أن جدنا هذا كان مكسوا بالحرير لا بالصوف، فلذلك سمي حريرًا.
"قالت أمي": والمحفوظ عند علمائنا أن ذاك هو الكبش الذي قربه هابيل حين قتل أخاه، لتتم البلية على هذه الأرض بدم الإنسان والحيوان معًا.
"قالوا": فتُقبل منه وأُرسل الكبش إلى الجنة, فبقي يرعى فيها حتى كان اليوم الذي هم فيه إبراهيم أن يذبح ابنه تحقيقًا لرؤيا النبوة، وطاعة لما ابتلي به من ذلك الامتحان، وليثبت أن المؤمن بالله إذا قوي إيمانه لم يجزع من أمر الله, ولو جر السكين على عنق ابنه، وهو إنما يجرها على ابنه وعلى قلبه!
"قالت": فهذا هو فخر جنسنا كله.
أما فخر سلالتي أنا، فذاك ما حدثتني به جدتي، ترويه عن أبيها، عن جدها، وذاك حين توسمت فيّ مخايل البطولة، ورجَتْ أن أحفظ التاريخ. قالت: إن أصلنا من دمشق، وإنه كان في هذه المدينة رجل سَبَّاع، قد اتخذ شبل أسد فرباه وراضه حتى كبر، وصار يطلب الخيل، وتأذى به الناس، فقيل للأمير[1]: هذا السبع قد آذى الناس، والخيل تنفر منه وتجد من ريحه ريح الموت، وهو ما يزال رابضًا ليله ونهاره على سدة بالقرب من دارك. فأمر فجاء به السباع وأدخله إلى القصر، ثم أمر بخروف مما اتُّخذ في مطبخه للذبح، [1] هذه القصة شهدها الأمير الأديب "أسامة بن منقذ" المتوفى سنة 584 للهجرة، وقصها في كتابه "الاعتبار"؛ والأمير المذكور في القصة هو "معين الدين أنر" وزير شهاب الدين محمود. وقد تصرفنا في عبارة القصة.