البهماء: الأرض البعيدة التي لا يهتدي فيها.
يقول: لما جربت أحوالكم هجرتكم وبعدت عنكم، وجعلت بيني وبينكم فلاةً بعيدةً تكذب فيها العين فترى خيالات لا حقيقة لها، وتسمع فيها الأذن أصواتاً لا حقيقة لها أيضاً.
تحبو الرّواسم من بعد الرّسيم بها ... وتسأل الأرض عن أخفافها الثّفن
الرواسم: النوق التي تسير الرسيم، وهو ضرب من السير، الواحدة راسمة والثفن: جمع ثفنة وهو ما غلظ من جلد البعير إذا لاقى الأرض من اليدين والركبتين.
يقول: إذا سارت الإبل في هذه البهماء حفيت أخفافها لشدة السير فيها، فتحبوا على ثفناتها وتجري عليها، حتى تسأل الثفنات الأرض فتقول: ما فعلت أخفاف هذه الإبل التي كانت تكفينا ملاقاتك؟!
إنّي أصاحب حلمي وهو بي كرمٌ ... ولا أصاحب حلمي وهو بي جبن
يقول: أحلم ما دام الحلم منى منسوباً إلى الكرم، فأما إذا كان منسوباً إلى الذل والجبن لم أصبر عليه.
ولا أقيم على مالٍ أذلّ به ... ولا ألذّ بما عرضي به درن
يقول: لا أختار المال مع الذل، ولا أستلذ بما يورثني العيب ويؤدي إلى دناءة الطبع ولؤم العرض.
سهرت بعد رحيلي وحشةً لكم ... ثمّ استمّر مريري وارعوى الوسن
المرير جمع المريرة وهي القوة من الحبل. يقال: استمر فلان على مريره: أي جرى على عادته التي أمر عليها.
يقول: لما فارقتكم سهرت وحشةً لفراقكم، فلما طالت الأيام نسيتكم وتسليت عنكم وعاد النوم إلى عيني.
وإن بليت بودٍّ مثل ودّكم ... فإنّني بفراقٍ مثله قمن
يقول: إن عاملني كافور بمثل ما عاملتموني به، وجرى على عادتكم في الأذى، فارقته كما فارقتكم. ومثله:
وإذا نبا بك منزلٌ فتحوّل
أبلى الأجلّة مهري عند غيركم ... وبدّل العذر بالفسطاط والرّسن
الأجلة: جمع الجلال. والعذر جمع العذار.
يقول: طال مقامي عند غيركم لإكرامه إياي، حتى أبلى مهري الأجلة جلاً بعد جل، وبدل عليه عذار بعد عذار، فلم يملني كما مللتم أنتم مقامي عندكم.
عند الهمام أبى المسك الّذي غرقت ... في جوده مضر الحمراء واليمن
يقول: أقمت عند كافور الذي عم جوده جميع العرب مضريهم ويمنيهم. وإنما سميت مضر الحمراء؛ لأن نزار لما مات وتحاكم أولاده وهم: ربيعة، ومضر، وإياد، وأنمار، إلى جرهم في قسم ميراثه، فأعطى ربيعة الخيل؛ فسمى أولاده: ربيعة الفرس. وأعطى مضر الإبل الحمر، وقيل أعطاه الذهب؛ فسمى أولاده مضر الحمراء.
وإن تأخّر عنّي بعض موعده ... فما تأخّر آمالي ولا تهن
يقول: إن تأخر عني بعض ما وعدني به من الولاية وغيرها، فإن أملي فيه في غاية القوة. وهذا استبطاء وعتاب.
هو الوفيّ ولكنّي ذكرت له ... مودّةً فهو يبلوها ويمتحن
يقول: هو يفي بما وعدني، ولكني ذكرت إظهار المودة التي يختبر بها ويمتحن.
يعني: كنت أظهر له المودة فأذكرها، فهو يمتحن ما ذكرته من المودة فيؤخر موعدي تجربة لمودتي له.
ويروى: بدل ذكرت بذلت.
ومما قاله بمصر في الحكم ولم ينشده الأسود ولم يذكره فيه.
صحب النّاس قبلنا ذا الزّمانا ... وعناهم من شأنه ما عنانا
يقول: صحب الناس قبلنا هذا الزمان، وأهمهم من أمر هذا الزمان ما أهمنا منه.
وتولّوا بغصّةٍ كلّهم من ... هـ وإن سرّ بعضهم أحيانا
يقول: كل من مضى قبلنا، مضى وفي قلبه غصة من الزمان، وإن سر بعضاً في وقت. ومثله للآخر قوله:
كلٌّ يبيت من الدّنيا على غصص
ربّما تحسن الصّنيع ليالي ... هـ ولكن تكدّر الإحسانا
الهاء في لياليه نعود إلى الزمان. يعني: تحسن ليالي الزمان الصنيع.
يقول: إن الزمان يمزج الإحسان بالإساءة والتكدير.
يعني: أن الزمان إذا أحسن أولا كدر وأساء آخراً، هذه عادته، يعطي ثم يرجع وإذا أحسن لا يتم الإحسان
وكأنّا لم نرض فينا بريب الد ... دهر حتّى أعانه من أعانا
يقول: لم يكفنا ما نقاسيه من حوادث الزمان، حتى أعانه عليها حسادنا وأعداؤنا، فصاروا أعواناً للزمان على الإساءة إلينا.
كلّما أنبت الزّمان قناةً ... ركّب المرء في القناة سنانا
يقول: إذا أنبت الزمان قناةً: أي كيداً أو شراً يطلب به هلاكنا، ركب الإنسان في تلك القناة السنان فيصيرها رمحاً.