يخلّف من لم يأت دارك غايةً ... ويأتي فيدري أنّ ذلك جهده
الجهد: الطاقة، والجهد: المشقة، وقيل: هما واحد.
يقول: من قصد غيرك من الملوك فقد خلف وراءه غاية، وإذا قصدك فقد بلغ غاية جهده وطاقته، فإنه ليس وراءك غاية يطلب الوصول إليها.
فإن نلت ما أمّلت منك فربّما ... شربت بماءٍ يعجز الطّير ورده
الورد: الورود، وهو فاعل يعجز والضمير في ورده للماء والباء في قوله: شربت بماء زائدة.
المعنى: إني بعيد الهمة، شريف المطلب، لا أطلب إلا غايةً بعيدة؛ فلهذا قصدتك، وقاسيت الأخطار دونك، وليس هذا بمنكر مني، فإني ربما وصلت إلى ما لا يقدر الطير على الوصول إليه! يعني: وصلت إلى مطالب يعجز عنها غيري.
ووعدك فعلٌ قبل وعدٍ لأنّه ... نظير فعال الصّادق القول وعده
يقول: وعد كل أحد يشبه فعله، وأنت صادق القول، فإذا وعدت فكأنك ابتدأت بالجود. قبل الوعد، فإن وعدك واقع لا محالة.
فكن في اصطناعي محسناً كمجربٍ ... يبن لك تقريب الجواد وشدّه
التقريب: ضرب من سير الفرس دون الشد.
يقول: جربني في اصطناعك إياي وإحسانك إلي، ليتبين لك صغر حالي وكبرها.
شبه الصغر بالتقريب، والكبر بالشد.
إذا كنت في شكٍّ من السّيف فابله ... فإمّا تنفّيه وإمّا تعدّه
يقول: إن شككت في حالي فجربني، فإني مثل السيف يتبين حاله بالتجربة، فإن رضيتني جعلتني عدة لك، وإلا رميت بي.
وما الصّارم الهنديّ إلاّ كغيره ... إذا لم يفارقه النّجاد وغمده
نجاد السيف: حمائله.
يقول: لا فضل بيني وبين غيري إذا لم تجربني كما لا فضل بين السيف الهندي القاطع، وبين غيره من السيوف إذا لم يجرد من غمده. ومثله لأبي تمام:
لما انتضيتك للخطوب كفيتها ... والسّيف لا يكفيك حتّى ينتضى
وإنّك للمشكور في كلّ حالةٍ ... ولو لم يكن إلاّ البشاشة رفده
الهاء في رفده للمشكور.
يقول: أنا أشكر لك في كل حال، وإن لم يكن من عطائك إلا طلاقة وجهك لكفاني ذلك.
وكلّ نوالٍ كان أو هو كائن ... فلحظة طرفٍ منك عندي ندّه
يقول: كل عطاء كان منك فيما مضى أو سيكون، فنظرة منك إلي تقوم عندي مقامه. والند: المثل. والهاء في نده للنوال.
وإني لفي بحر من الخير أصله ... عطاياك أرجو مدّها وهي مدّه
يقول: أنا في بحر من الخير، وأصل هذا البحر من عطاياك، وأرجو مد عطاياك، فهي مد هذا البحر.
وما رغبتي في عسجدٍ أستفيده ... ولكنّها في مفخرٍ أستجدّه
العسجد: الذهب. وأستفيده وأستجده بمعنىً واحد.
يقول: ليست رغبتي في المال، ولكن رغبتي في استفادة الفخر واستجداد الشرف. وأراد به الولاية. ومثله لأبي تمام:
ومن خدم الاقوام يرجو نوالهم ... فإنّي لم أخدمك إلاّ لأخدما
يجود به من يفضح الجود جوده ... ويحمده من يفضح الحمد حمده
الهاء في به للمفخر.
يقول: يجود بهذا المفخر، من جوده يفضح كل جود. يعني كافورا. ويحمده على هذا الجود، من حمده يفضح كل حمد. يعني به نفسه.
يعني: أنت أجود الملوك وأنا أبلغ الشعراء وأفصحهم.
فإنّك مامّر النّحوس بكوكبٍ ... وقابلته إلاّ ووجهك سعده
يقول: لو أن كوكبا من الكواكب أصابه نحس، وقابلته أنت، سعد ذلك النجم بسعادتك، وخرج النحس من غير أن يؤثر فيه بنحوسته.
يعني: أن من أتاك سعد بقربك، وظهر عليه إقبالك، فيرجع غنيا مسرورا.
وشكا إليه ابن عياش طول قيامه في مجلس الأسود وكان دسه عليه، ليعلم ما في نفسه فقال أبو الطيب يمدح كافورا ارتجالا:
يقلّ له القيام على الرّءوس ... وبذل المكرمات من النفوس
يقول: الوقوف بين يديه يقل له، لأنه يستحق فوق ذلك، وكذلك يقل له بذل النفوس المكرمة في جنب ما يستحقه من التعظيم.
إذا خانته في يومٍ ضحوكٍ ... فكيف تكون في يومٍ عبوس؟
يقول: إذا خانته في حال الرفاهية والسلم والسرور فتقصر في الخدمة والقيام بين يديه فكيف تكون في حال الشدة والحرب؟! والغرض بضحك اليوم وعبوسه: حسنه وطلاقته. وقيل: أراد في يوم يضحك فيه ويعبس فيه كما يقال: ليل نائم أي ينام فيه