الآلاء: النعم واحدها أليٌّ وإلي أي متى طلب الناس منك شيئاً فليس لأنك أحوجتهم إلى السؤال، ولكن سألوك تشرفاً بسؤالك وتلذذاً به، وإذا كتمك كاتم، أو كتم محلك وذكرك، دلت عليه نعمك الظاهرة المنتشرة، فلا يمكنه ذلك. ومثله قول مسلم:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
وإذا مدحت فلا لتكسب رفعةً ... للشاكرين على الإله ثناء
يقال: كسب المال وكسب الرجل المال.
يقول: إن مدحنا إياك، لا يكسبك رفعة؛ لأنك في نفسك رفيع، وإنما نمدحك شكراً لإحسانك، وتشرفاً بمدحك، وترفعاً بالثناء عليك. ثم ضرب مثلاً بأن من يثني عليك كالشاكرين لله تعالى؛ لأنهم يشكرون الله تعالى، لنفع يعود إليهم، لاإلى الله عز وجل. وأخذه من قول الأول
فلو كان يستغني عن الشكر ماجدٌ ... لعزة ملكٍ أو علو مكان
لما أمر الله العباد بشكره ... فقال: اشكروا لي أيها الثقلان
وإذا مطرت فلا لأنك مجدبٌ ... يسقي الخصيب ويمطر الدأماء
أجدب القوم: إذا أجدبت أرضهم، أو وقعوا في مكان جدب. والدأماء: البحر.
يقول: إذا مطرت فلست تمطر لإجداب محلك وجدب بلدك، ولكن تمطر مع الاستغناء عنه، كما يمطر المكان الخصيب وكما يمطر البحر مع كثرة مائه.
لم تحك نائلك السحاب وإنما ... حمت به فصبيبها الرخصاء
الصبيب بمعنى المصبوب، وهو المطر. والرخصاء: عرق الحمى. والهاء في به: للنائل. والتأنيث: للسحاب؛ لأنه بمعنى الجمع.
يقول: إن السحاب لم يعارضك في السخاء بمائه وإنما حسدك لزيادتك عليه فحم بسبب كثرة عطائك، فهذا الذي ينصب عنه، عرق الحمى التي أصابته.
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلا بوجهٍ ليس فيه حياء
يقول: لم تلق الشمس وجهك، إلا بوجه ليس فيه حياء؛ إذ لو كان في وجهها حياء لم تقابله؛ لقصور نورها وبهائها عن نوره وبهائه.
فبأيما قدمٍ سعيت إلى العلا ... أدم الهلال لأخمصيك حذاء
قوله: ما صلة وأي استفهام في معنى التعجب وأدم الهلال: جلده. والحذاء: النعل يقول: إنك بلغت من العلا محلاً لم يبلغه أحد فبأي قدمٍ سعيت إليها؟! ثم دعا له: بأن يكون أديم الهلال نعلاً لأخمصيه: أي لا زلت عالياً حتى يصير الهلال لك بمنزله النعل.
ولك الزمان من الزمان وقايةٌ ... ولك الحمام من الحمام فداء
دعا له فقال: وقاك الله من حواث الزمان بالزمان، وفداك بالموت من الموت. وقيل: أراد ليهلك الزمان دون هلاكك، وليمت الموت دون موتك. وقيل: أراد به أهل الزمان، وقاية لك من حوادث الزمان، وموت أهل الزمان فداء لموتك فيموتون عنك.
لو لم تكن من ذا الورى اللذ منك هو ... عقمت بمولد نسلها حواء
الورى: الخلق من بني آدم. واللذ: بحذف الياء: لغة في الذي.
يقول: لو لم تكن من بني آدم، الذين هم في الحقيقة منك؛ لأنك جمالهم وشرفهم، ولو لم تكن فيهم لعدوا في العدم، ولكانت حواء بولادة نسلها عقيماً، كأنها لم تلد أحداً.
ودخل أبو الطيب يوماً على أبي علي الأوراجي فقال له أبو علي: وددنا أنك كنت معنا يا أبا الطيب اليوم. فقال أبو الطيب: ولم؟ فقال: ركبنا ومعنا كلبٌ لابن مالك، فطردنا به وحده ظبياً، ولم يكن لنا صقرٌ. فاصطاده! فقال أبو الطيب: أنا قليل الرغبة في ذلك والنظر إلى مثل هذا. فقال أبو علي: إنما اشتهيت أن تراه حتى تستحسنه فتقول فيه شيئاً. فقال أبو الطيب: أنا أفعل. قال له: فأحب منك ذاك. وتحدث أبو علي ثم قال: أنا أحب أن تفعل ما وعدتني، فقال له أبو الطيب: قد أحفيت السؤال! أتحب أن يكون ذلك الساعة؟ فقال أبو علي: أيمكن مثل هذا؟ قال: نعم، وقد حكمتك في الوزن، وحرف الروي. فقال أبو علي: بل الأمر فيهما لك. فأخذ أبو الطيب درجاً وأخذ أبو علي درجا يكتب فيه كتاباً إلى إنسان، فقطع عليه أبو الطيب الذي يكتبه وأنشده يصف كلب صيد أرسل على غزال وليس معه صقر.
ومنزلٍ ليس لنا بمنزل
ولا لغير الغاديات الهطل
الغاديات: السحاب يأتي غدوة، واحدها غادية. والهطل: جمع هاطلة، وهي الكثيرة المطر. يقال: هطلت السماء تهطل هطلاً وهطلاناًح إذا صبت صباً دائماً شديداً.
يقول: رب منزل ليس بمنزل الإنس، وإنما هو منزل السحاب التي تصب الأمطار.
ندى الخزامى ذفر القرنفل