اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 91
ففرح القوم وزاد فرحهم وأنسوا بي غاية الإيناس ولم نزل على مسرة وسرور وغبطة وحبور وأنا أغني ساعة وهي تغني ساعة كذلك على أن جئنا إلى بعض الشطوط فارسي الزلال وصعد من الزلال كل من فيه وقضوا حوائجهم وصعدت أنا أيضاً وكنت سكراناً فقعدت أبول فأخذتني عيني فنمت وطلع القوم وانحدر الزلال ولم يعلموا بي وهم سكارى وكنت دفعت النفقة التي معي إلى الجارية ولم يبقى معي حبة واحدة وأن القوم انحدروا ووصلوا إلى البصرة ولم أنتبه أنا إلا من حر الشمس فجئت إلى الشط فلم أرحسا وقد كنت أجللت الرجل أن أسأله بمن يعرف وأين داره من البصرة فبقيت على شاطئ نهر معتلا كأول يوم بدأت في المحبة وكأن من كنت فيه مناما واجتازت بي سماوية فحملت فيها ودخلت إلى البصرة وما كنت دخلتها قط فنزلت خانا وبقيت متحيراً لا أدري ما أعمل ولم يتجه لي معاش إلى أن أجتاز بي يوما إنسان كنت أعرفه ببغداد فتبعته لأكشف له حالي وأسترفده ثم أنفت من ذلك ودخل منزله فعرفته وجئت إلى بقال على باب الخان الذي نزلته فأعطيته دانقا وأخذت منه دواة وورقة وجلست أكتب إليه رقعة فاستحسن خطي البقال ورأى ثوبي دنساً فسألني عن أمري فأخبرته أني رجل غريب فقير قد تعذر على التصرف وما بقي معي شيء فقال تعمل معي كل يوم بنصف درهم وطعامك وكسوتك وتضبط لي حساب دكاني فقلت له نعم قال لي اصعد فصعدت وخرقت الرقعة وجلست معه ودبرت أمره وضبطت دخله وخرجه فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائداً وخرجه ناقصاً فحمدني وبقيت معه كذلك شهوراً ثم جعل لي كل يوم درهما ولم يزل حالي يقوى معه على أن حال الحول فناله مني الصلاح فدعاني على أن تزوجت بابنته وشاركني في الدكان ففعلت ودخلت بزوجتي ولزمت الدكان والحال يقوى إلا أني في خلال ذلك مكسور النفس ميت النشاط ظاهر الحزن وكان البقال يشرب فربما جذبني إلى مساعدته فأمتنع وأظهر ذلك حزناً مني واستمرت بي الحال على هذا سنتين وأكثر فلما كان في بعض الأيام إذا قوم يجتازون بطعام وشراب وكل أحد على ذلك فسألت الشيخ عن القصة فقال لي هذا اليوم عيد الشعانين يخرج أهل الطرب واللعب والشراب والقينات إلى نهر الأبلة فيرون النصارى ويشربون ويتفرجون فدعتني نفسي إلى هذا وقلت لعلي أقف لأصحابي على خبر فقلت للبقال كنت أريد النظر إلى هؤلاء قال لي شأنك وأصلح لي طعاماً وشراباً وسلم إلى غلاما وسفينة فخرجت فأكلت وبدأت بالشراب حتى وصلت إلى الأبلة وابتدأ الناس ينصرفون وعزمت على الانصراف وإذا أنا بالزلال بعينه في وسط الناس سائراً في نهر الأبلة فتأملت وإذا بأصحابي على سطحه ومعهم عدة مغنيات فحين رأيتهم لم أتمالك فرحاً وصحت بهم فلما رأوني عرفوني وأخذوني إليهم وقالوا لي أنت حي وعانقوني وفرحوا بي وسألوني عن قصتي فأخبرتهم بها على أتم شرح وقالوا إنا لما فقدناك في الحال وقع لنا أنك قد سكرت ووقعت في الماء وغرقت فخرجت الجارية من ثيابها وكسرت عودها وقطعت شعرها ولطمت وجهها وأقبلت على البكاء والنحيب ولم نقدر نمنعها من ذلك ووردنا البصرة فقلت لها ما تحبين أن يعمل بك فقد كنا وعدنا مولاك بوعد تمنعنا المروءة من استخدامك بعده وسماع غناك قالت يا مولاي تملكني من القوت اليسير ولباس ثياب الشعر السواد وأن اعمل قبرا في جنب من الدار وأجلس عنده وأتوب عن الغناء فملكناها من ذلك وهي جالسة عنده إلى الآن فأخذوني معهم ومضوا بي فلما دخلت إلى الدار ورأيتها على تلك الصورة ورأتني شهقت شهقة عظيمة من ظننت أنها تعيش فاعتنقنا عناقاً طويلاً ثم افترقنا ثم قال مولاها تأخذها قلت نعم أعتقها كما وعدت وزوجني بها ففعل ذلك ودفع إلينا ثياباً كثيرة وفرشاً وقماشاً وآلة وحمل إليّ خمسمائة دينار وقال هذا مقدار ما أردت أجريه عليك في كل شهر منذ أول دخول البصرة وقد اجتمع طول هذه المدة فخذه والجراية متسابقة في كل شهر وشيء آخر لكسوتك وكسوة الجارية والشرط في المنادمة وسماع الجارية ومن وراء السترة وقد وهبت لك الدار الفلانية قال فحملت إلى الدار فإذا قد غمرت بالفرش والقماش وجميع ما أصاحبه وحملت إليها الجارية وجئت إلى البقال فحدثته الحديث وسألته أن يجعلني في حل من طلاقه لابنته بغير ذنب ودفعت إليه مهرها وما يلزمني من أمرها وأقمت مع الهاشمي على ذلك الحال سنين وصرت رب ضيعة ونعمة وعادت حالتي إلى قريب ما كنت فيه أنا
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 91