اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 84
واعلم أنه لا يتناهي فيحسدك إلا الأصدقاء والندماء فإنهم متى رأوك بحال وهم بأنقص منه انغرس في قلوبهم حسدك فلو خولتهم أضعاف نعمتك لم يزالوا يحسدونك حتى تفتقر ويستغنون والحسد داء الأبد، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال" قال معاوية بن قرة نظرت في المودة والإخاء فلم أجد اثبت مودة من ذي أصل.
قال أبو الحسن بن جبير الأندلسي البلنسي:
تغير إخوان هذا الزما ... ن فكل خليل عراه الخلل
وكانوا قديماً على صحة ... فقد داخلتهم حروف العلل
قضيت التعجب من أمرهم ... فصرت أطالع باب البدل
ولله در ناصر الدين بن النقيب:
فأين الصديق الصدوق الذي ... مودته من قرى صافيه
ما لي صديق سوى درهمي ... ولا لي حبيب سوى العافية
وقال أبو العلاء المعري:
جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ود أمره غرضا
وقال القاضي ناصح الدين الأرجاي والثاني يقرأ معكوساً وهو غاية:
أحب المرء ظاهره جميل ... لصاحبه وباطنه سليم
مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم
وقال صلاح الدين الصفدي:
عذيري في الليالي من صديق ... على مالي وعرضي قد تسلط
تأول إذ تأخر عنه خيري ... فهل ألقاه يوماً قد توسط
وقال الشريف العبقيلي وأجاد:
ألذ مودات الرجال مذاقة ... مودة من أن ضيق الدهر وسعا
فلا يلبس الود الذي هو سادجا ... إذ لم يكن بالمكرمات مرصعا
وقال مخارق أنشدت المأمون قول أبي العتاهية (مولد أبي العتاهية سنة ثلاثية ومائة وتوفي سنة إحدى عشر ومائتين) :
وإني لمحتاج إلى أظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
قال لي أعد فأعدت سبع مرات فقال لي يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب الله در أبي العتاهية ما أحسن ما قال.
وأحسن من قال:
بروحي من صاحبته فوجدته ... أرق من الشكوى وأصفى من الدمع
يوافقني في الهزل والجد طائعاً ... فينظر من عيني ويسمع من سمعي
وقال الجاحظ كان أبو داؤد إذ رأى صديقه مع عدوه قلا صديقه وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال ابن عائشة قال هشام بن عد الملك ما بقي على شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته وما اشتهى إلا شيئاً واحداً أخا أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: صحبة العاقل في المفاوز والأسفار خير من صحبة الجاهل بين الرياض والأنهار.
ولله در القاضي الفاضل.
وما برح الإخوان إخوان الزمان فإذا أحسن كانوا من التابعين له بإحسان وإذ أساء كانوا من المهاجرين ولا من الهجرة ولكن من الهجران.
وقال جعفر بن محمد لولده: يا بني من غضب عليك من أخواتك ثلاث مرات ولم يقل فيك سوءاً فاتخذه خليلاً.
ويجب على الصديق إذا رأى صديقه معسراً وهو موسر أن يواسيه ببعض ماله، فقد حكى عن بعض الحكماء أه رأى رجلين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل هما صديقان فقال ما هما بصديقين لأني أرى أحدهما موسراً والآخر معسراً ول كانا صديقين لتواسيا، وقال المأمون لندمائه: أفيكم من يقدر يدخل يده في كم صديقه فيأخذ منه نفقة يومه فقالوا لا فقال ما أنتم بأصدقاء والصديق الصديق معدوم وأما من تصادقه مجاز فيمثل بقول القائل: ?أرض من المرء في مودته ... بما يؤدي إليك ظاهره
من يكشف الناس لا يجد أحداً ... تصح منهم له سرائره
الهند غياك والاغترار بمصادقة العدو ما أوجبها إلا أمر وعلة فمع ذهاب العلة رجوع العداوة كالماء يسخن فإذا رفع عن النار عاد براردا وصفة الصديق أن يعادي من تعاديه ويهوى من تهوى وقال بعض الحكماء صديق عدوى عدوى، وقال الشاعر:
تود عدوى ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي منك لعازب
إذا نحن أظهرنا لقوم عداوة ... ولان لهم منكم جناح وجانب
فلا أنتم منا ولا نحن منكم ... إذا أنتم سالمتم من نحارب
وليس أخي من ودني رأى تعينه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 84