اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 60
ومن الأشياء النادرة المستظرفة المتجملات في الملابس والمجالس ما ذكره الفقيه الكاتب أبو مروان عبد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون في قصة جبلة بن الأيهم الغساني وهو أن جبلة لطم إنسانا من الناس فلما أراد الإمام عمر إقادته منه فر إلى هرقل وتنصر ثم ندم على تنصره فقال:
تنصرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها اللجاج ونحوه ... فنعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة ... جالس قومي ذاهب السمع والبصر
ولما تنصر جبلة ولحق بهرقل صاحب القسطنطينية أقطعه هرقل الأموال والضياع والرباع وبقي ما شاء الله ثم إن عمر (بعث إلى هرقل رسولا يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية فأجاب إلى الجزية فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل ألقيت ابن عمك هذا الذي عندنا يعنى جبلة الذي أتانا راغبا في ديننا قال ما لقيته قال القه ثم ائتني أعطك جواب كتابك قال الرسول فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجموع مثل ما على باب هرقل الرسول فلم أزل أتلطف في الإذن حتى أذن بالدخول فدخلت عليه فرأيته أصهب اللحية ذا سبال وكان عهدي به أسود اللحية فأنكرت عليه فإذا هو قد دعى بسحالة الذهب فذرها على لحيته حتى عادت سوداء وهو قاعد على سرير من قوارير قوائمه أربعة أسود من ذهب فلما عرفني رفعني معه على السرير فجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرا قلت قد أضعفوا إضعافا على ما تعرف قال وكيف تركت عمر بن الخطاب قلت بخير حال فرأيت الغم في وجهه لما ذكرت له من سلامة عمر ثم انحدرت عن السرير فقال لم تأب الكرامة التي أكرمناك بها قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت فلما سمعته يقول صلى الله عليه وسلم طمعت فيه فقلت له ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله قال أبعد ما كان مني قلت نعم قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام فضرب وجوه المسلمين بالسيف ثم رجع إلى الإسلام فقبل ذلك منه وخلفته بالمدينة مسلما قال ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر بعده رجعت الإسلام قال فضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر قال ثم أومى إلى خادم كان على رأسه فذهب مسرعا فإذا خادم قد جاء ومعه خدم يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة وقال لي كل فقبضت يدي وقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في أواني الذهب والفضة فقال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك وكل فيما أحببت قال فأكل في الذهب وأكلت في الخلنج ثم جيء بطساس الذهب وأباريق الفضة فغسل يده في الذهب وغسلت في الصفر ثم أومى إلى خادم بين يديه فمر مسرعا فسمعت حسا فإذا خدم معهم كراسي مرصعة بالجواهر فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن شماله ثم جاءت الجواري عليهن تيجان الذهب فقعدن عن يمينه وعن يساره على تلك الكراسي ثم جاءت جارية كأنها الشمس حسناء على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جامة فيها مسك فتيت وجامة في يدها اليسرى فيها ماء ورد فأومت تلك الجارية أو صفرت للطائر الذي على تاجها فطار حتى وقع في جامة ماء الورد فاضطرب فيه ثم أومأت إليه أو صفرت فوقع على جامة المسك فتمرغ فيه ثم أومأت إليه فطار حتى نزل على تاج رأس جبلة فلم يزل يرفرف حتى نفض ما عليه في رأسه فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يمينه فقال أضحكننا فاندفعن يغنين يخفق عيدانهن:
لله در عصابة نادمتهم ... يوما بحلق في الزمان الأول
يسقون من ماء البريص نديمهم ... راحا يصفق بالرحيق المسلس
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 60