اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 189
قال الحكيم الفاضل الفيلسوف العارف ابقراط ينبغي أن يكون الطبيب حراً في جنسه جيداً في طبعه حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في الغاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاص للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوادي يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نتحملهم ونعلم أنه ليس منهم ذلك وأن سببه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه نظيفة بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل الطيش ولا متباطئاً لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعاً ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره وأبقراط هذا أول من برهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها وكانت لها العناية في نفع المرضى ومداواتهم ويقال له أنه أول من جدد البيمارستان واخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره موضعاً من بستان له مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم وسماه أخشندوكين أي مجمع المرضى ولذلك أيضاً يقع لفظه البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو موضع المرضى ولم يكن له داب في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صنعة الطب واتخاذ قوانينها ومداواة المرضى واتصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لطلب الغنى ولا في زيادة مال وكان أبقراط في زمن بهمن بن اسفنديار بن بستاسب وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي أربع عشرة لملك بهمن وأما تفسير اسمه فإن معناه ضابط الحيل وقيل معناه ماسك الأرواح وقيل ماسك الصحة وأصل اسمه باليونانية ابقوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها أن تخفف الأسماء فخفف هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضاً وقد جرى ذلك كثيراً في الشعر ويقال أيضاً بالتاء أبقرات وبقرات ومات مفلوجاً ومن ألفاظه الحكمية ونوادره المفردة في الطب قال الطب قياس وتجربة وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال لا تأكل حتى تجوع وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفرغ إلى عادتها وقيل له لم يكون البدن أثور ما يكون إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غباراً إذا كنس وقال مثل المنى في الظهر كمثل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار وقال إن المجامع يقتلع من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن مع الفقير خير من الغني مع الخوف ودخل على عليل فقال له أنا وأنت والعلة ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك أن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى ومن كلامه في العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص وكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد الفكر تكون الندامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمنى ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحاً وأسفاً وربما شهق شهقة فتخفى فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 189