اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 164
رجوع: ومن المهم الملوكية والنخوة العربية والنفس الأدبية ما ذكره الثعالبي في كتبه لطائف المعارف عن جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد اله بن حمدان أنها حجت سنة ست وستين وثلاثمائة فصار عام حجها مثلاً وتاريخا وذلك أنها أقامت من المروءة وفرقت الأموال وأظهرت من المحاسن ونشرت من المكارم مالا يوصف بعضه عن زبيدة وغيرها من حاجات بين الخلافة والملك ولا عن الخلفاء والملوك والحاجين وهو ما ذكره الثقاب أنها سقت جميع أهل الموسم السويق بالكسر الطبرزد والثلج وكانت استصبحت البقول المزروعة في مراكز الخزف على الجمال فضلاً عما سواها وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين من رجالة الحاج ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار واستصبحت فيها شموع العنبر في مدة أقامتها بمكة وأعتقت ثلثمائة عبد ومائتي أمة وأغنت المجاورين بالصلات الجزيلة وخلعت على طبقات الناس خمسين ألف ثوب وكان معها أربعمائة عمارية لا يدري في أيتها هي ومن قصتها أنها لما رجعت إلى بلدها الموصل وضرب الدهر ضرباته فكان من استيلاء عضد الدولة فناخسرو على أموالها وحصونها وممالك أهل بيتها ما كان حتى أفضت بها الحال إلى كل قلة ذل وتكشفت عن فقر مدقع وكان فناخسرو خطبها لنفسه فامتنعت من أجابته ترفعا عنه فاحتقدها عليها وحين وقعت في يده تشفى بها وما زال يعسف بها في المطالبة حتى عراها وهتكها ثم ألزمها أحد أمرين أما أن تصحح ما بقته ووقف عليها من المال وأما أن تختلف إلى دار القحاب فتكتسب فيها ما تؤديه من مال مصادرتها فلما ضاق بها الأمر وأشرفت على الفضيحة انتهزت فرصة من غفلة المتوكلين بها وغرقت نفسها في دجلة رحمها الله تعالى ولا آخذها.
ومن ظريف الأخبار أن زوجة المحسن بن الفرات أرادت أعذار ابنها بعد قتل أبيه فتعذرت عليها النفقة فرأت المحسن في منامها فذكرت له ذلك فقال أن لي وديعة عند فلان الدين عشرة آلاف دينار فانتبهت وأخبرت بالقصة فسألوا الرجل فاعترف بها وحمل المال إليها، واتخذ) الحجاج وليمة اجتهد فيها واحتشد ثم قال لزاذان فروخ هل عمل كسرى مثلها فاستعفاه فأقسم عليه فقال أو لم عبد عبد كسرى فأقام على رءوس الناس ألف وصيفة في يد كل واحدة إبريق من ذهب فقال الحجاج أف والله ما تركت فارس لمن بعدها شرفا.
قلت: ذكرت بقوله أو لم ما أنشدنيه من لفظه لنفسه سيدي المقر المجدي ابن مكانس:
قال خلى لحبيبي صل فتى ... فيك قد أضحى مغنى مغرما
قال هل يولم أن وأصلته ... قال أن فاز بثغر أولما
وأول من ضيف الضيف وأطعم المسكين وقص شاربه وقلم أظفاره وأستحد واستاك ورأى الشيب وفرق شعرع وتمضمض وأستنثر واستنجى بالماء وأختتن بالقدوم ولبس إبراهيم وأسس المحجوج أي بنى أساس البيت الحرام خليل الله ونبيه ورسوله أبونا إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام قيل ما خلا مضيفه إلى يومنا هذا من ضيف قط وقيل له صلى الله عليه وسلم بما اتخذك الله خليلا قال بثلاث: ما خيرت بين شيئين إلا اخترت الذي لله على غيره وما اهتممت بما تكفل الله لي به ولا تعشيت إلا مع ضيف، ما أحسن قول صفوان بن أدريس فيمن اسمع إبراهيم:
اسمي من سن القرى رفقا بمن ... يغنى عليك صبابة وغراما
أنا ضيف حبك فاصطنعنى أنه ... ضيف الهوى يستوجب الإكراما
أفنيت جسم الصب شوقا مثل ما ... أفنى سميك قبلك الأصناما
حتى كان الحب قال لاضلعى ... يا نار بردا له وسلاما
وكان الحسن بن قحطبة مضيافا له مطبخان في كل مطبخ سبعمائة تنور هكذا نقل عنه الزمخشري، وحدث عمر بن شيبة قال كان الحجاج يطعم في كل يوم على ألف مائدة على كل مائدة سمكة مشوية سمينة وجنب مشوي وساقيان يسقى أحدهما اللبن والآخر العسل وكان يطاف به على كرسي فيقول يا أهل الشام مزقوا الخبز الرقيق كيلا يعاد عليكم، وقال الجاحظ كان كسرى ينصب في كل يوم ألف مائدة على كل مائدة فخذ حمار وحش وبيضة نعامة ومن سائر الأصناف التي توجد في البر والبحر والسهل والجبل حتى لا تخلو الموائد من سائر الأطعمة.
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 164