اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 146
وكتب القاضي يحيى الدين بن عبد الظاهر يستدعى إلى حمام هل لك أطال الله بقاك في المشاركة في جمع بين ماء ونار وأنواء وأنوار وزهر وأزهار قد زال فيه الاحتشام فكل عار ولا عار نجم سائه لا يعتريه أفول وناجم رخامه لا يعتربه ذبول تتنافس العناصر على بلوغ مآربه فأرسل البحر ماء جسده من زبده لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده ولم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلا فتطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا وأعلمت النار ضدها الماء فدخل وهو حر الأنفاس وغلت من أجله فلاجل ذلك داخله من صوب تشاكله الوسواس ورأى الهواء انه قصر عن مطاولة هذه النار فأمسك متهيباً ينظر من وراء زجاجة إلى تلك الدار ثم إن الأشجار رأت أن لا شائبة لها في هذه الخطوة ولا مساهمة في تلك الخلوة فأرسلت من الأمشاط أكفا أحست بما يدعو إليه الفرق ومرت في سواد العذار الفاحم كما يمر البرق وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة عارف بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة خفيف اليد مع الأمانة موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة لطف أخلاقا حتى كأنها أعناب بين جحظة والرمان وحسن صنعة فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا بإحسان أبدا يرى مه طهارته وهو ذو صلف ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال ما بوجهه من الكلف بيده موسى كأنها صباح تنسخ ظلاماً أو نسيم ينفض عن الزهر كماما إذا أخذ صابونة أفهم من يخدمه ما يمر على جسده أنه بحر عجاج وأنه يبدو زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج فلهم إلى هذه اللذة ولا تعد الحمام دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه بين تلك الدعوات فذة.
وكتب في محضر قيم حمام الصوفية يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلان أن أبا الحجاج يوسف مازال لأهل الصلاح حميماً وله جودة ذهن يستحق بها أن يدعى قيما كم له عند كل جسد من صباح وكم أقبل مستعملوه (تعرف في وجوهم نضرة النعيم) كم تجرد مع شيخ صالح في خلوة وكم قال ولي الله يا بشراى لأنه يوسف حين أدلى في حوضه دلوه كم خدم من الصلحاء والعلماء إنساناً وكم ادخر ببركتهم لدنيا وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين عرياناً ومؤتزرا كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس وكم له يد عند جسد ومنة على رأس كم شكرته أبشار البشر وكم حك رجل رجل صالح فحقق أن السعادة لتلحظ الحجر قد ميز بخدمة الفضلاء أهله وقبيلة وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة تتمتع الأجساد من تنظفه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب ويكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن يكون كالرمح أنبوبا على أنبوب كم رأس أنشدت موساه:
ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يبث الشوق كنت مقصرا
وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة إلى ابن معبد وكان متولى دمشق يشكو من حمام سرق فيها شاشه يقبل الأرض مستجيرا بهذا البيت الذي لا يذل جاره مستغيثاً بكرمه الذي ملأت الأقطار أخباره فما عبر المملوك في عمره أحر من هذه الحمام ولا نكس في رأسه العليلة مثل هذه الأيام فيا للعواطف العربية وياللمراحم النفوس الأبية فو الله لقد خف رأس المملوك من الجهتين عقله وشاشه ولقد تعوض من تاج عمته العربية مخدة فراشه ولقد أخذت منه هذه الحمام المتلفة ولقد نشفته بالمناشف فبئس الحمام والمنشفة وهذا وقت أغاثه الملهوف والرغبة في أسداء المعروف لا قطع الله عن أرواح المضطرين ترويح هباته ولا عطل من مننه المنتظمة أجياد عفاته بمنه وكرمه، وكتب الشيخ برهان الدين القيراطي وقد استدعى إلى الحمام:
قد أجبنا وأنت أيضاً فصحت ... بتلاقيك سالف وسلاف
وبساق تسبى العقول بساق ... وقوام وفق العناق خلاف
يقبل الأرض وينهي أن المملوك ما خرج عن الاهتمام لدخول الحمام فإنه متشوق لما لمولانا تشوق إليه وموجه وجه فكرته عليه وكيف يمكن الوقوع في الخلاف والميل إلى الأخلاف:
وحمامكم كعبة للوفود ... تحج إليها حفاة عراه
يكرر صوت أنابيبها ... كتاب الطهارة باب المياه
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 146