اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 52
وذهب المفسرون والمؤرخون إلى أن هذه الآية نزلت في بعض من كان يقول ذلك، مثل: النضر بن الحارث، الذي "كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا فدعا فيه إلى الله تعالى، وتلا فيه القرآن، وحذر فيه قريشًا ما أصاب الأمم الحالية خلفه في مجلسه إذا قام، فحدثهم عن رستم السنديد، وعن اسفنديار، وملوك فارس، ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثًا مني، وما حديثه إلا أساطير الأولين، اكتتبها كما اكتتبتها"[1].
فقد كان إذن في الجاهلية معلمون يعلمون القراءة والكتابة وضروبًا من العلم، منها: أخبار الأولين وقصص التاريخ؛ وقامت في البيئات الجاهلية المتحضرة مثل: مكة والمدينة والطائف والحيرة والأنبار وغيرها مدارس يتعلم فيها الصبيان الكتابة العربية.
-3-
ولشيوع الكتابة في الجاهلية أمثلة أخر كثيرة، لعل من أنصعها بيانًا ما أورده الجهشياري[2]، وابن عبد ربه[3]، والمسعودي[4]، من ذكر أسماء الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جعلوهم مراتب، وقدروهم منازل: فكُتَّاب يكتبون بين يديه صلى الله عليه وسلم فيما يعرض من أموره وحوائجه، وآخرون يكتبون بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات، وآخرون يكتبون أموال الصدقات، وكاتب يكتب خرص الحجاز[5]، وآخر يكتب مغانم رسول [1] ابن هشام، السيرة1: 383-384. [2] كتاب الوزراء والكتاب: 12-14. [3] العقد 4: 246. [4] التنبيه والإشراف: 245-246. [5] الخرص "بفتح الخاء": حزر ما على النخل من الرطب تمرًا "أي تقديره"؛ وكم خرص أرضكم "بكسر الخاء"، أي: ما خواص فيها. فالمصدر بالفتح، والاسم بالكسر.
اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 52