اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 47
ونحب أن نبدأ حديثنا بإيراد نص لابن فارس، مشرق العبارة، ناصع الحجة، هو خير ما قرأناه في هذا الموضوع. قال ابن فارس بعد أن عرض لذكر بعض الأعراب ممن كان لا يحسن الكتابة[1]: " ... فأما من حُكي عنه من الأعراب الذين لم يعرفوا الهمز والجر والكاف والدال، فإنا لم نزعم أن العرب كلها، مدرًا ووبرًا، قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها. وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم: فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة، وأبو حية "النميري الذي لم يعرف الكاف" كان أمس، وقد كان قبله بالزمن الأطول من يعرف الكتابة ويخط ويقرأ، وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتبون.. أفيكون جهل أبي حية بالكتابة حجة على هؤلاء الأئمة؟ والذي نقوله في الحروف هو قولنا في الإعراب والعروض. والدليل على صحة هذا وأن القوم قد تداولوا الإعراب أنا نستقرئ قصيدة الحطيئة التي أولها:
شاقتك أظعان لليـ ... لي دون ناظرة بواكر
فنجد قوافيها كلها عند الترنم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علم الحطيئة بذلك لأشبه أن يختلف إعرابها؛ لأن تساويها في حركة واحدة -اتفاقًا من غير قصد- لا يكاد يكون.
فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أول من وضع العربية، وأن الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول إن هذين العِلْمَين قد كانا قديمًا، وأتت عليهما الأيام، وقلَّا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان، وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب. وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفًا معلومًا اتفاق أهل العلم على أن المشركين لما سمعوا [1] الصاحبي: 8-11.
اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 47