اسم الکتاب : قصة الأدب في الحجاز المؤلف : عبد الله عبد الجبار الجزء : 1 صفحة : 251
عندها وبايعها وارتحلوا عنها. فقلما لبثت[1] حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تساوك هزالا مخاخهن قليل[2], فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد, والشاء عازب حيال[3]، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله, إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة[4], أبلج الوجه, حسن الخلق, لم تعبه ثجلة[5] ولم تزر به صعلة[6], وسيما قسيما, في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي عنقه سطع، وفي صوته صحل، وفي لحيته كثاثة. أزج أقرن[7], إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، فهو أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر[8], كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة, لا يأس من طول[9] ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا [1] لبثت, أي: مكثت. [2] عجافا: جمع عجفاء وهي المهزولة. وتساوك هزالا أي: تتمايل من الهزال والضعف في مشيها. وقوله: مخاخهن قليل جمع: مخ, مثل: حباب وحب وكمام وكم، وإنما لم يقل: قليلة؛ لأنه أراد أن مخاخهن شيء قليل. قال الشاعر:
إلى الله أشكو ما أرى بجيادنا ... تساوك هزلى مخهن قليل [3] عازب أي: بعيدة المرعى, لا تأوي إلى المنزل إلا في الليل. والحيال جمع: حائل, وهي التي لم تحمل. [4] الوضاءة: الحسن والبهجة. [5] الخلق: السجية، والثجلة: عظم البطن وسعته. [6] الصعلة: صغر الرأس, ولم تزر به أي: لم تعبه. [7] الدعج والدعجة: السواد في العين وغيرها، تريد: أن سواد عينيه كان شديدا. والوطف: طول في هدب أشفار العينين. والسطع: طول العنق. والصحل كالبحة وألا يكون حادا. والزجج: دقة في الحاجبين وطول. وأقرن أي: مقرونهما. [8] فصل, لا نزر ولا هزر أي: ليس بقليل ولا بكثير فاسد. [9] لا يأس من طول أي: إنه لا يؤيس من طوله؛ لأنه كان إلى الطول أقرب منه إلى القصر.
اسم الکتاب : قصة الأدب في الحجاز المؤلف : عبد الله عبد الجبار الجزء : 1 صفحة : 251