اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 50
ما دام فيه الكلأ والعشب، ثم ترحل عنه وتتركه لمن شاء من غيرها أن يحتله كأنما تأكدت هذه القبيلة أن هذا المكان قد أقفر إلى الأبد، وأنه لن ينبت أبدًا بعد تركهم إياه.
ولا شك أن هناك ظروفًا مختلفة تضطر إلى الهجرة والارتحال: فكثرة النسل تؤدي إلى ضيق المكان بأهله، وذلك يجعل القوم يحاولون توسيع الرقعة التي ينزلونها، إما حواليها وفيما يتصل بها إن كان هناك ما يسمح لهم بذلك، وإما بالبحث عن مكان أوسع في بقعة أخرى، وقد يكون ذلك بارتحال الكل أو بعضهم تبعًا لمقتضيات الأحوال، كما حدث في بادئ الأمر عندما تكاثر أبناء القحطانيين والعدنانيين، وسجلته كتب الأدب والتاريخ[1].
كما أن الحروب والشقاق والتناحر والتنافس كثيرًا ما ينجم عنها هجرات، واحتلال وارتحال، من ذلك ما يحكيه أبو عبيدة في شرح النقائض[2] عن عبس في حرب داحس والغبراء من أنهم بعد جفر الهباءة ظعنوا إلى كلب بعراعر، ثم حدثت موقعة عراعر، فحلوا على بني سعد وهم بالفروق، إلي أن حدثت موقعة الفروق فسار بنو عبس حتى وقعوا باليمامة حيث أرادوا محالفة بني حنيفة، ثم لحقوا ببني عامر بن صعصعة وجاوروهم، حتى غرتهم بنو ذبيان وبنو أسد ومن تبعهم من بني حنظلة يوم جبلة، فتوجهوا نحو تغلب وأخيرًا أشار عليهم قيس بالذهاب إلى قومهم ومصالحتهم.
وقد تحدث الهجرة بسبب ظروف اقتصادية كما حدث للقبائل اليمنية بعد سيل العرم وانهيار سد مأرب.
وسكان البادية كانوا يعتمدون في حياتهم على الماشية، ومن ثم كان أول ما يعنيهم هو البحث عن غذاء لهذه الماشية، فكانوا يخرجون بها إلى الأمكنة التي توجد بها الأعشاب والنباتات التي تصلح غذاء لها. وقد يمكثون في هذه الأماكن المعشبة بعض الوقت، ولكن مهما كان مكثهم فيها، طال أم قصر، فإنهم لم يتخذوها مواطن إقامة ثابتة، بل كانوا إذا انتهى الموسم عادوا إلى موطنهم ينتظرون أن يحول الحول وينزل الغيث.
ولعل مسيرة القبائل إلى مواطن الكلأ في المرتبع، وإقامتهم فيها ما دام العشب هناك، [1] راجع كتب: صفة جزيرة العرب للهمداني. ومعجم ما استعجم للبكري، وشرح النقائض لأبي عبيدة ومعجم البلدان لياقوت، وصبح الأعشى للقلقشندي، وتاريخ الطبري وابن الأثير والمسعودي. [2] نقائض جرير والفرزدق طبعة أوروبا ص 98.
3 فجر الإسلام ص 9.
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 50