responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 405
إنا نشك في صحة هذا المقياس لدى قوم مثل هؤلاء الشعراء الذين اختلطوا بغير قومهم من الرؤساء والعظماء وانقطعوا لهم، فاجتذبتهم مخالطة هؤلاء وأغرتهم المادة، وانسلخوا من البادية. فقلت لديهم العاطفة القبلية التي يقويها اعتماد الفرد على القبلية، وارتكانه على دفاعها عنه، وحمايتها له.
فهؤلاء المداحون ارتموا في أحضان بعض العظماء الذين كفلوا لهم متعة الحياة، ونعمة الراحة في سعة ورغد دون مشقة أو كد، فلا عجب حينئذ أن ينقطع الشاعر من هؤلاء لولي نعمته، ويخصه بشعره، حتى إن الواحد منهم كان يفقد رشده، وتظلم الدينا في عينه. ويفقد كل أمل في الحياة إذا غضب عليه الممدوح، ولا عجب كذلك أن تفنن أولئك المداحون في مدحهم، وقصر باعهم في الفخر ببطولة قومهم.

الاعتذار:
أما الاعتذار فكان قليلًا في شعرهم، ويأتي عادة لإظهار الندم على فعل حدث. أو حال وقعت، ويريد المعتذر أن يبرئ نفسه، لينجو من اللوم، أو يحاول إصلاح الحال، بتفسير أو شرح معقول لها، لكي يرجع الأمور إلى مجراها العادي، وقد ورد في هذا الغرض أبيات لكثير من الشعراء، ولكنه لم يحتل مكانًا هامًّا في شعر كل منهم. وقد حللنا هذه الظاهرة من الناحية الحربية في شعر الحرب. ولم يكن لأحد من الشعراء الجاهليين باع في الاعتذار إلا النابغة الذبياني، فقد أسهب فيه، فاشتهر به، حتى قيل عنه أضاف إلى الشعر فنًّا جديدًا. ويقصدون بذلك فن الاعتذار. كأنه لم يكن موجودًا عند شعراء العرب قبل النابغة الذبياني. وحقيقة لقد أتى فيه النابغة بمعانٍ رائعة، وصورة شعرية جميلة. وكان النابغة يفد إلى المناذرة في الحيرة، وعلى الغساسنة في الشام، ويمدحهم، فيحسنون وفادته ويكرمونه، وكان أكثر ما يفد إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وكان النعمان يقربه حتى جعله نديمه. وظل زمانا لا يفد على الغساسنة، لما كان بينهم وبين المناذرة من التباغض، إلى أن وشى به الواشون إلى النعمان، فغضب النعمان عليه وتوعده، فهرب النابغة إلى قومه في نجد، ثم شخص إلى الغساسنة في الشام ومدحهم. وظل مقيمًا عندهم وفي نفسه استرضاء النعمان، والعودة إلى الحيرة، حتى تمكن من ذلك بواسطة اثنين من بني فزارة. فعاد إلى النعمان، وقدم له اعتذارياته المشهورة.

اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 405
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست