responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 151
فأما مخالفته للحاجظ فباستطاعتنا أن نقره عليها، وإذا ذكرنا أن الجاحظ وغير الجاحظ من أدباء العرب ونقادهم لم يصفوا فصاحة اللفظ ولا عنوا فيها إلا بالصفات السلبية كالخلو من التعقيد والتنافر وما إلى ذلك، والبحث الحديث قد أصبح اليوم يرى للألفاظ قيمة ذاتية إيجابية من حيث ما يوحي به جرس حروفها من إحساس يعزز المعنى المعبر عنه، ومن غريب الأمر أن النحاة وعلماء اللغة قد فطنوا إلى أن بعضا من ألفاظ اللغة كانت أسماء أو أفعال أصوات، كما منهم من اهتدى بالاستقراء حقائق لغوية تلوح صحيحة، وأضرب لذلك مثلا ما ذكره الزمخشري في الكشاف عندما قرر أن كل أفعال اللغة العربية التي تبتدئ بنون وفاء تفيد المضي والنفاذ، كقولنا نفد ونفذ ونفر ونفق ونفض ... إلخ، ومع ذلك فإنهم لم يستخدموا تلك الحقائق في نقد الأدب ليوضحوا على أساس لغوي - ما يهتدي إليه الشعراء والكتاب بغرائزهم الصادقة، عندما يؤثرون لفظا على لفظ، وفقا للمعنى الذي يريدون العبارة عنه. لقد كتب الأوربيون كتبا في إيضاح أسرار الشعراء والكتاب اللغوية فتراهم[1] يحصون أنواع الأحرف الصائتة Voyelles والأحرف الصامتة Consonnes في البيت الجيد من الشعر، ويقيمون بينها نسبا يستخرجون بفضلها ما يسمونه "بالانسجام الصوتي" harmonoie vocaliques الذي ينتج عن توزيع الأحرف الصامتة، ثم "انسجام المحاكاة" harmonie imitaitve الذي ندركه من مطابقة الإحساس الذي يخلفه في النفس وقع الأحرف الصامتة المختلفة للإحساس الذي لدينا عن الشيء الذي نتحدث عنه، على نحو ما توحي السينات المتتابعة مثلا بصفير الريح، ولكن هذه كلها أبحاث حديثة ليس لنا أن نتطلب مثلها من نقادنا القدماء.
والجرجاني أشد إصابة في نقده لآراء العسكري السقيمة، فهو يرى "أن في كلام المتأخرين كلاما حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم، ويقول ليبين، ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء، وأن يوقع السامع من طلبه في خبط عشواء، وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على

[1] راجع كتاب موريس جرامون M. Grammont عن الشعر الفرنسي، طرق أدائه وانسجامه.
:Le vers francais: ses moyens, d'expression son harmonie , paris 1917.
وهو من خير ما كتب النقاد العماء العصر الحديث.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 151
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست