responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 114
العقل، وعلى كل نظام لا يوافق سنن الطبيعة، واستشعار الروعة من المجهول الضخم الذي يحيط بنا من كل مكان، والترفع عن الدنايا؛ لأنها لا تتفق وكرامة الإنسان، وإحالة الحاجات البدنية إلى أدنى حدودها، قلنا: إذا كان التدين هو هذا، فإن أبا العلاء كان من أعمق الناس تدينا. وهذا كلام جميل، ولكنه لا يتفق مع روح الإسلام ولا مع روح أي دين آخر؛ لأن الدي تصديق وشعائر، كما هو حالة نفسية ومبادئ أخلاقية، وهو لا يتفق مع نفسية أبا العلاء، وإنما هو فهم خاص للأستاذ وجدي يريد أن يمليه على أبي العلاء.
والأمر أغرب في الخصومة التي نشبت بين الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد. والعقاد يبدأ فيؤكد -فيما يعلم- أن فكرة أبي العلاء في هذه الرحلة إلى العالم الآخر لم يسبقه إليها أحد غير لوسيان في محاوراته في الأولمب والهاوية. وهذا قول عجيب يدخل في سلسلة تأكيدات الأستاذ العقاد التي لا حصر لها في كل ما كتب، والتي كثيرا ما تدهشنا لجرأتها. ففكرة الرحلة إلى العالم الآخر قديمة قدم الإنسانية، عرفها اليونان قبل لوسيان، وعرفها العرب قبل أبي العلاء. والكل يعلم ما في أساطير اليونان من وصف لنزول أورفيوس إلى العالم الآخر ليسترد منه زوجته أوريديس، والكل يعلم وصف هوميروس رحلة أوليس، ووصف فرجيلوس شاعر الإنيادة لرحلة إنيوس بذلك العالم، كما نعلم جميعا أشعار المتصوفة في أحلام يقظتهم ونومهم ومن تلك الرحلات الرائع الجميل، كوصف الحارث بن أسد المحاسبي في "التوهم" الذي نشره المستشرق الدكتور أربري، وصدر له الأستاذ أحمد أمين بك، وفي عصر مقارب لعصر أبي العلاء كتب ابن شهيد رسالة "التوابع والزوابع" المنشورة بكتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" "ج1 ص210" وهي شديدة الشبه برسالة الغفران، ومع ذلك يؤكد العقاد أن فكرة رسالة الغفران لم يسبق أبا العلاء إليها غير لوسيان "؟ " وهو يخلص من ذلك إلى الحكم على الرسالة بأنها "نمط وحدها في آدابنا العربية، وأسلوب شائق، وفن طريف، وفكرة لبقة، وفذلكة جامعة لأشتات من نكات النحو واللغة، وأما أن ينظر إليها كأنها نفحة من نفحات الوحي الشعري على مثال ما نعرف من القصائد الكبرى التي يفتن في تمثيلها الشعراء، والقصص التي يخترعونها اختراعا، أو ينظر إليها كأنها عمل من أعمال توليد الصور والباس المعاني المجردة لباس المدركات المحسوسة، فليس ذلك حقا". وهذا كلام غريب يستند إلى مسلمات لا يعلم من سلم بها. وما نعلم أن الأرض قد أنجبت كُتَّابا يخترعون القصص اختراعا، كما لا نظن

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست