اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 102
ومن تمازج العنصرين تخرج الصور التي تحقق وحدته النفسية أو تصل بينه وبين العالم الخارجي.
ولتلك الصور قدرة على الإيحاء لا يمكن أن يصل إليها أي تعبير مجرد؛ وذلك لأنه من الثابت أن العبارة الحسية أغنى بقوة رمزها، وما قد يرقد تحتها من احتمالات أو ما تستدعي من إحساسات وخواطر، من العبارة المجردة التي لا تمتلك عادة غير محمولها المحدد.
وهذا هو الأدب؛ إذ فيه عناصره الثلاثة:
1- عبارة فنية.
2- موقف إنساني.
3- قوة إيحاء. وقد اتحدت تلك العناصر في وحدة متينة هي وحدة الفن!
وأمر الصياغة في الأدب الفني ليس أمرا شكليا، كما ظن معظم نقاد العرب، فهو ليس أمر مجازات أو تشبيهات تتعلق بظواهر الأشياء، أو تستخدم لإيضاح المعنى أو تقويته، بل أمر الخلق الفني في صميم حقيقته النفسية، كما وضحنا، فالشاعر الذي يشرب لون الشمس أو يحس به في نعومة اللؤلؤ، لا يقصد إلى تجميل معنى أو تنميق عبارة، وإنما يخلق قيمة فنية، لها أصولها في نفسه، ومن هنا يتمايز الكتاب بطرق صياغتهم، وأدق ما يكون ذلك التمايز في موسيقى كل منهم، والذي لا شك فيه أن لكل نفس موسيقاها الداخلية، وأن الأسلوب هو مرآة تلك الموسيقى، وأن الكاتب الأصيل العميق هو من تحس بموسيقاه دون أن تستطيع إدراكها.
والأمر بعد كثيرا ما يعدو الكتاب إلى الشعوب في حدود ما يتشابه فيه أفراد الشعب الواحد، وذلك بنوع خاص في الحكم والأمثال الشعبية؛ ولهذا ترى العربي يحدثك عن "إهداء التمر إلى هجر"، والإنجليزي عن "حمل الفحم إلى نيو كاسل"، والمصري الشعبي عن "بيع المية في حارة الساقين"، وتلك عبارة فنية مختلفة لأداء معنى واحد هو "إعطاء الشيء لمن لا حاجة له به".
إلى شيء من كل هذه الحقائق لم يفطن ابن قتيبة، فجاء ينقد الشعر في ألفاظه ومعاينة بما يحسبه البعض ذوقا خاصا، وهو في حقيقة رأي سابق مقرر عن خدمة اللفظ للمعنى وإمكان العبارة عن المعنى الواحد بألفاظ مختلفة يحلو بعض ويقصر البعض كما يقول دون فهم منه ولا تفصيل لأنواع الأساليب وطرق العبارة، مما أفسد الكثير من أحكامه.
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 102