responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 100
كالتساؤل عن أي الشفرتين أقطع، وإنما لك أن تحكم على المعنى المعبر فتقبله كرأي مصيب أو ترفضه كرأي باطل.
2- الأسلوب الفني: وهذا هو أسلوب الأدب بمعناه الضيق كما يفهمه الأوربيون؛ بل هو الأدب ذاته إذا سلمنا -كما سنرى- أن الأدب "هو العبارة الفنية عن موقف إنساني في عبارة موحية". واللفظ عندئذ لا يستخدم للعبارة عن المعنى، بلب يقصد لذاته؛ إذ هو في نفسه خلق فني، فمن اليسير مثلا أن نقول: "إن وقت الظهيرة قد حان" فنؤدي المعنى الذي نريد أن ننقله: إلى السامع، ومع ذلك يقول الأعشى: "وقد انتعلت المطي ظلالها" للعبارة عن نفس المعنى، فنحس لساعتنا أن عبارته فنية: "وسارت الإبل في الصحراء عائدة من الحج" كما يقول ابن قتيبة وكما يريد أن يفهم من قول الشاعر: "وسالت بأعناق المطي الأباطح". ولكن عبارة الشاعر عبارة فنية قصد منها إلى نشر ذلك المنظر الجليل، أمام أبصارنا، منظر الإبل قادمة من مكة متراصة متتابعة في مفاوز الصحراء، وكأن أعناقها أمواج سيل يتدفق. وكذلك يستطيع مؤرخ أن يقول: إن العرب أنهكوا الفرس. وأما الأعشى فيقول: إنهم ترقوهم "وقد حسوا بعد من أنفاسهم جرعا"، ولقد نصف الصحراء بأنها جرداء تمل عابريها، وأما الشاعر فيقول: "وغبراء يقتات الأحاديث ركبها" وفي هذه الأمثلة الأربعة أربعة أفعال:
"انتعل" و"سال" و"حسا" و"اقتات"، وهي أمارة الفن في العبارة، ولها وظيفتان:
أولاهما: أنها تعبر عن المعنى عبارة حسية؛ لأن كلا منها يحمل صورة تدركها الحواس، فالإبل تنتعل الظل، وأعناق المطي تسيل في الصحراء، والفرس يجرعون أنفاسهم، والركب يقتات الأحاديث، وهذه خاصة من أهم خصائص الأسلوب الفني، وأعني به أن "تصاغ العبارة من معطيات الحواس"، وذلك على خلاف الأسلوب العقلي؛ حيث تكثر المعاني المجردة والألفاظ المجردة التي إن حملت صورة فصورة عامة كتلك التي نجدها في معظم تلك الألفاظ التي أصبحت "مجازات ميتة" أمثال: الرفعة، الانحطاط، التي لم يعد أحد يفكر فيما اشتقت منه من "رفع" و"حط".
ووظيفتها الأخرى أنها تربط بين عوالم الحس المختلفة، فتحررنا مما اضطرانا إليه ضعف عقلنا من تقاسيم مفتعلة؛ وذلك لأنه ليس من الصحيح أن كل حاسة من حواسنا قد ذهبت بطائفة من المدركات، ولا أدل على ذلك من أننا

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست