اسم الکتاب : فن السيرة المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 28
وليس هناك دافع يؤدي إلى الكتابة عن مثل هذه الشخصيات إلا الميل إلى الإمتاع وإثارة الدهشة والتحبيب بالفكاهة وكلها غايات كان يتهيأ لها السمر، وتدعو إليها مجالس الأنس. ولهذا السمر نفسه أثر قوي في نشأة تلك السيرة الخيالية أيضاً التي بارحت عالم السيرة الحقيقي وأصبحت نوعا من القصص البطولية مثل سيرة عنترة ومهلهل وسيف بن ذي يزن وأشباهها وكما صادفتنا شخصيات هزيلة في سيرة عقلاء المجانين، تصادفنا هنا صورة للبطولة العاتية، وموضع النقص في هذه السير إنها أيضاً مثل سيرة المتصوفة تعتمد " المثال "؛ أي لا تجعل لعتنرة قيمة إلا لأنه مثال البطولة، ولا تعنى بالحياة الطبيعية لأبي زيد الهلالي، وإنما تفيض عليه من خيالها ما يجعله " مثالا "؟ أو أنموذجا؟ عاليا للشجاعة، وإن كانت في جملتها أقرب إلى الواقع من سير المتصوفة والزهاد، لأنها تصور البطل أحيانا في حالات من الضعف والاستئسار والميل إلى البكاء.
ونستطيع أن نقرر في غير تعميم، بأن السيرة التاريخية ظلت حتى العصر الحديث أقوى أنواع السير عند المسلمين، وهي تجمع أحيانا بين الغابة الخلقية وغاية المتعة التي تحققها السير الأدبية، ولكنها قد تكون منبعثة عن مجرد الرغبة في التاريخ، أي تكون غاية في نفسها، لأن المؤرخين المسلمين كانوا يرون السيرة جزءا من التاريخ بل يرون أن التاريخ ليس إلا سير الحاكمين. والشخصيات التي عالجتها تلك السير تتباين تباينا واضحا، وقد
اسم الکتاب : فن السيرة المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 28