الملك محصّنا لسره بعيدا من أن يعرف ما في نفسه متخيّرا للوزراء مهيبا في أنفس العامة كافيا بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّرا لما يفيد وينفق، كان خليقا لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به» .
قال أبو محمد: كتبت إلى بعض السلاطين كتابا وفي فصل منه: «لم يزل حزمة الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستهدون العيوب ويستثير صواب الرأي من كلّ حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء طويّته فقد أغناني الله عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتك وارتفاع درجتك وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال» .
وفي فصل آخر: «وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواصّ ولم أحلّ ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لها إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطا بما يدّعيه عليك وسهامه نافذة فيك، ورأيت وليّك معكوما عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه الله على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهادة العدول الثقات» .
وفي فصل منه: «وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع بهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضها، ولا يعذرون بالعذر