responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 257
2- أحاسيس ومشاعر دينية:
لعل أقرب تسمية للمسلمين في شعر الفتح كله ما أسماهم به زياد بن حنظلة من أنهم رجال الله، فهذه التسمية أكثر انطباقًا عليهم وعلى الحقيقة؛ إذ إنهم أدركوا هذا تمام الإدراك يوم أن اتخذوا هذه العقيدة دينًا، ويوم توحدت كلمتهم على هذا الدين الذي بث فيهم أحاسيس ومشاعر سامية، وأبدلهم من بعد ضعف قوة، وجعلهم يشعرون بأنهم دائمًا منتصرون ما داموا جندًا في سبيل إعلاء كلمته.
وقد تغلل في مكان الاعتقاد منهم صدق الداعي الذي دعاهم إلى سعادة الدنيا والآخرة. فتأكد لهم أن الآخرة خير وأبقى، ما دام الله قد اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون. وأن الذين في سبيل الله ليسوا أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم.
واستقر في موضع اليقين منهم: أن الله عز وجل منزل نصره عليهم، إذا صدقت منهم النيات في لقاء عدوهم، فيفوز المقتول منهم بسعادة الآخرة، ويحرز الباقي سعادة الدنيا؛ ولهذا كان شعارهم دائمًا قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] .
ولهذا فإن الفاتحين المؤمنين لم يحرصوا على الحياة حرصهم على الفوز بالجنة، ولم يجزعوا من الموت، فإن كل شيء قدر تقديرا {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] .
وقد تجلت هذه المعاني في الشعر الذي صدر عن الفاتحين منطلقهم إلى الجهاد، يردون فيه على ذويهم الذين تمسكوا بهم وناشدوهم البقاء، واستعدوا الخليفة أن يردهم؛ إذ لا عائل لهم سواهم، فكانوا يجيبون بأن الله قد دعاهم من قبل، وبأنهم استجابوا لداعيه.
وقد ظل هذا الإحساس يلازم المجاهدين في الميدان. فكانت أسمى ملحمة في تاريخ العقيدة عرفها العالم إلى اليوم؛ إذ كان بعض المحاربين يشرون أنفسهم صائمين ويستشهدون، كما فعل المهاجر بن زياد الحارثي وغيره[1]. فقد كانوا لا يرون أمامهم إلا

[1] البلاذري ص377.
اسم الکتاب : شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام المؤلف : النعمان عبد المتعال القاضي    الجزء : 1  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست