ولبيد أول من شبه الأباريق بالبط، فأُخذ منه ذلك، قال يذكر الخمر:
تُضَمَّن بِيضًا كالإِوَزِّ ظُرُفهَا ... إذَا أَتْاقوا أعناقها والحواصلا
فأخذه بعض الضَّبِّيين فقال:
ويوم كظِلَّ الرمح قصر طوله ... دم الزّقّ عنا واصطفاف المزاهر
كأن أباريق الشَّمول عشية ... إوز بأعلى الطف عوج المناقر1
قال الذين قدّموا لبيد بن ربيعة: هو أفضلهم في الجاهلية والإسلام، وأقلهم لغوًا في شعره. وقد قيل عن عائشة، رضي الله عنها، إنها قالت، رحم الله لبيدًا ما أشعره في قوله:
ذَهَبَ الذينَ يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلق كجلد الأجرب
لا ينفعون، ولا يرجّى خيرهم، ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب[2].
ثم قالت: كيف لو رأى لبيد خلفنا هذا! ويقول الشعبي: كيف لو رأت أم المؤمنين خلفنا هذا[3]!.
وكان لبيد إذا سئل عن أعظم الشعراء حسب تقديره بدأ بامرئ القيس ثم ثنى بطرفة ثم ذكر نفسه. قيل: مرّ لبيد بالكوفة على مجلس بني نهد وهو يتوكأ على محجن له، فبعثوا إليه رسولًا يسأله عن أشعر العرب فسأله فقال: الملك الضليل ذو القروح، فرجع فأخبرهم، فقالوا: هذا امرؤ القيس، ثم رجع إليه فسأله: ثم من؟ فقال له: الغلام المقتول من بني بكر، فرجع فأخبرهم، فقالوا: هذا طرفة، ارجع فاسأله ثم من؛ فسأله، فقال: ثم صاحب المحجن حيث يقول:
إنّ تَقْوَى ربنا خير نَفَل ... وبإذن الله ريثي وعجل
أحمد الله فلا ند له ... بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
1 ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1. [2] يشغب: يجوز عن القصد. [3] القرشي، جمهرة أشعار العرب، ص 69.