ومما يعاب له في هذه القصيدة:
ومقام ضيق فرَّجته ... بمقامي ولساني وجدلْ
لو يقوم الفيل أو فيّالُهُ ... زَلّ عن مثل مقامي وزَحَلْ
وقالوا: ليس للفيال من الخطابة والبيان، ولا من القوة ما يجعله مثلًا لنفسه! وإنما ذهب إلى أن الفيل أقوى البهائم، فظن أن فياله أقوى الناس[1]!.
رتب ابن سلام لبيدًا في الطبقة الثالثة من الشعر[2].
وجاء في طبقات الشعراء: وكان لبيد بن ربيعة عذب المنطق، رقيق حواشي الكلام، وكان مسلمًا رجل صدق، وكان في الجاهلية خير شاعر لقومه يمدحهم ويرثيهم، ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم[3].
وشعر لبيد من أجود أشعار البدو، واختار حماد قصيدة منه في المعلقات. ولبيد قدير على صياغة موضوعات البداوة صياغة ساحرة، ومما يزيد شعره نفاسة ما يتردد فيه من نغمات دينية. على أن الأدباء لم يتفقوا في تقويم شعر لبيد، فمنهم من رآه سهل المنطق، رقيق الحواشي، ومنهم من عده مثالًا لخشونة الكلام وصعوبته، وكلّ من هذين الفريقين ينظر إلى شعره من زاوية معينة، فأما الذين وصفوه بالرقة والسهولة فقد نظروا إلى أشعاره ذات السمات الدينية، وأما الذين وصفوه بالخشونة فنظروا إلى شعره الذي يصور فيه مناظر الصحراء، ويفتخر فيه بأمجاد وأيام قبيلته. ولم يكن الأصمعي معجبًا بشعره فوصفه بأنه: "طيلسان طبراني" أي أنه محكم الأصل ولا رونق له، ولم يعده في الفحول، ووصفه بالصلاح تهرُّبًا من أن يحكم على شعره الديني؛ لأن الأصمعي كان يرى أن الشعر إذا دخل في باب الخير لانَ، أي أصابه ضعف. وقال أبو عمرو بن العلاء: "ما أحد أحبّ إليّ شعرًا من لبيد بن ربيعة لذكره الله عز وجل، ولإسلامه، ولذكره الدين والخير، ولكن شعره رحى بَزر4". [1] ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1 ص286، 287. [2] ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، ص43. [3] المصدر نفسه، ص 48، 49.
4 كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ج1، ص145، 146.