على لسانه، وإن رأيتموه ساهرًا فهو صاحبه. فرمقوه فوجدوه قد ركب رحلًا وهو يكدم وسطه حتّى أصبح، فقالوا: أنت والله صاحبه، فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته وألبسوه حُلَّة، ثم غدا معهم وأدخلوه على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الربيع بن زياد وهما يأكلان لا ثالث لهما، والدار والمجالس مملوءة من الوفود، فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان أمرهم تقارب، فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم، فقال لبيد:
أكل يوم هامتي مقزَّعه[1] ... يا رب هيجا هي خير من دعه
نحن بنو أم البنين الأربعه ... سيوف جن وجفان مترعه
نحن خيار عامر بن صعصعه ... الضاربون الهام تحت الخيضعه
والمطعمون الجفنة المدعدعه[2] ... مهلًا أبيت اللعن لا تأكل معه
إن استه من برص ملمَّعه ... وإنه يدخل فيه إصبعَه
يدخلها حتى يواري أشجعه ... كأنه يطلب شيئًا ضيعه
فرفع النعمان يده عن الطعام وقال: خبَّثت والله يا غلام عليّ طعامي، وما رأيت كاليوم قط، فأقبل الرّبيع على النعمان فقال: كذبَ والله ابنُ الفاعلة. ولقد فعلت بأمّه كذا وكذا. فقال له لبيد: مثلك فعل ذلك بربيبة بيته والقريبة من أهله، وإنّ أمي من نساء لم يكن فواعل ما ذكرْتَ.
وقضى النعمان للجعفريين الحوائج من وقتهم وصرفهم. ومضى الربيع بن زياد إلى منزله من وقته. فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه وأمره بالانصراف إلى أهله، فكتب إليه الربيع: إني قد عرفت أنه قد وقع في نفس الملك ما قال لبيد. وإني لست بارحًا حتى تبعث إلي من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال. فأرسل إليه: إنك لست صانعًا باتقائك مما قال لبيد شيئًا. ولا قادرًا على ما زلت به الألسن فالحق بأهلك. فلحق بأهله ثم أرسل إلى النعمان بأبيات شعر قالها وهي: [1] مقزعة: محلوقة وبقيت منها بقايا. [2] مدعدعة: مملوءة.