اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 246
يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [1].
قال ابن الأثير: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولم يقل: وقالوا، كالذي قبله للدلالة على صدور ذلك عن إنكار عظيم، وغضب شديد، وتعجب من كفرهم بليغ لا سيما، وقد انضاف إليه قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} ، وما فيه من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وما في ذلك من المبادهة كأنه قال: وقال أولئك الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله، ومكابرتهم لمثل ذلك الحق المبين قبل أن يتدبروه: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} .
وابن الأثير يستمد مما ذكره الزمخشري في هذه الآية الكريمة، فقد نبه فيها إلى لطائف، فلحظ مدلول كلمة الحق، وإن مقالتهم هذه الخاطئة قالوها للحق، وذلك تسجيل عليهم بالتجاوز البين، والبعد الواضح عن محجة الصواب، ثم كلمة لما وما فيها من المبادهة، أي أنهم فور مجيء الحق قالوا تلك المقالة، من غير نظر وتدبر.
ومن هذا قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [2].
قال: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، فذكرهم بضمير المخاطب ثم قال: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، وكان سياق الأسلوب أن يقول: ثم أنزل الله سكينته عليكم، ولكن لما كان في إنزال السكينة لطفا بهم، وتكريما لهم قال: رسوله والمؤمنين فذكرهم بأوصاف التكريم والتعظيم، وذكر أهليتهم لنزول السكينة، وفيه تعظيم لشأن الإيمان، وأن من حصله على وجه كان مع الرسول في الكرامة. [1] سبأ: 43. [2] التوبة: 25، 26.
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 246