اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 206
الكريمة، وراجع ما ذكرناه في آية الإفك تجد الإشارة أبرزت الأمور المعنوية لقوة شيوعها في صورة محسوسة.
ومن أشهر الأغراض التي يذكرها البلاغيون لتعريف المسند إليه باسم الإشارة، هو أن تذكر أوصافًا عديدة للشيء، ثم تذكره باسم الإشارة جاعلا ما يترتب على تلك الأوصاف مسندا إلى هذا الاسم، واسم الإشارة هذا يفيد أن ما يرد بعده، فالمشار إليه جدير به، اقرأ قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [1]؛ تجد أن الآية الكريمة ذكرت هؤلاء القوم، وعددت بعض أوصافهم التي تجعلهم أهلا للخير الوارد بعد اسم الإشارة، فهم ينقضون عهد الله، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، ومن هذه أوصافه جدير بأن يكون من الخاسرين.
ومثلها قوله تعالى في أوصاف المتقين: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [2]، وصفهم بالإيمان بالغيب، وهذه أعلى مراتب الإيمان، ثم وصفهم بأنهم يحفظون حق الله فيقيمون الصلاة، كما يحفظون حقوق الفقراء في أموالهم فيؤتون الزكاة، ثم وصفهم بأصالة الخير في معادنهم، فهم يؤمنون بما أنزل على الأنبياء، وهكذا رشحتهم هذه الأوصاف،
وجعلتهم أهلا للفلاح الواقع بعد اسم الإشارة.
ومن شواهد البلاغيين المشهورة في هذه المعنى قول حاتم الطائي:
ولله صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأحداث والدهر مقدما
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة ... ولا شبعة إن نالها عد مغنما [1] البقرة: 27. [2] البقرة: 2-5.
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 206