اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 175
وذلك كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [1]، فإن قوله: عالم خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، ولكن لما كان الخبر لا يكون إلا له سبحانه جاء الكلام على الحذف، وفي هذا الحذف إشارة إلى الواحدانية والجلال.
ومثله قوله تعالى: {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [2]، أي هذا ساحر كذاب، والقائلون وهم قومه يقصدون بهذا الحذف أن قولهم: ساحر لا ينصرف عند الإطلاق إلا إلى موسى عليه السلام زعما منهم أن هذه الصفة غالبة عليه، وفي الحذف أيضًا إشارة إلى استخفافهم، وقلة اعتدادهم.
وقد تأتي هذه الطريقة في الشعر، ويكون وراءها إشارات حسنة، انظر إلى قول ربيعة بن مقروم الضبي في مطلع قصيدته: "من الكامل"
شماء واضحة المعارض طفلة ... كالبدر من خلل السحاب المنجلي
وكأن الشاعر حين قال شماء، وذكر هذه الأوصاف أوهم من وراء ذلك أن هذها لأوصاف إذا ذكرت عند الإطلاق لا تنصرف إلا إليها، وكأن الناس يعرفون تفردها بها.
قالوا: وقد يحذف المسند إليه لضيق المقام، وتجد لهذا مذاقا حسنا في سياق الضجر، والشدة حين ينزع المتكلم إلى الإشارات اللماحة لفرط ما يجد.
ومن هذا، وهو مشهور قوله: "قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل".
والأصل: أنا عليل ولكنه حذف المسند إليه؛ لأن العليل يثقل عليه الكلام، فهو نازع إلى الإيجاز دائما.
وقد ترد الأمثال على حذف المسند إليه فيصير ذلك لازما؛ لأن الأمثال لا تتغير، من ذلك قولهم: قضية ولا أبا حسن لها، ي هي قضية، وقولهم: [1] الرعد: 9. [2] غافر: 24.
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 175