اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 174
تنصرف بنفسك، ووهمك إلى ما نطق به الشاعر جاهدا نفسك في أن تبعد عنها ما وقر فيها من صناعة الإعراب التي توجب تقدير المبتدأ في مثله، يقول في ذلك:
"إنك ترى نصبة الكلام، وهيئته تروم منك أن تنسى هذا المبتدأ، وتباعده عن وهمك، وتجتهد ألا يدور في خلدك، ولا يعرض لخاطرك، وتراك كأنك تتوقاه توقي الشيء يكره مكانه، والثقيل يخشى هجومه".
كل هذا لا يعلمنا فيه الشيخ علم البلاغة، وإنما يعلمنا كيف نذوقها، وهذا أجل.
وعبد القاهر له مصنفات تجعله في الصدر من طبقات النحاة، إلا أن تفرده بما تفرد به في الدراسة البلاغية غلب على ذكره، فصار أعرف به، قلت: هذا لأنبه إلى أنه رحمه الله كان يعي بدقة مناهج العلوم المشتغل بها، فهو إذا كان في سياق النحو قال في قوله: غلام رماه الله بالخير: التقدير هو غلام، وفي قوله: هيفاء مقبلة، التقدير هي هيفاء إلى آخر ما ذكرنا، وهذا التقدير ضرورة لا يخالف فيها عاقل، وقد فعل ذلك سيبويه فيما عرض له من مثله؛ لأن السياق سياق الصناعة الإعرابية، والبحث عن مكونات الجملة، وما يحذف منها، وما لا يحذف.
فلما كان السياق هنا سياق الإدراك لسر الحذف، رأيت عبد القاهر يقرر أنه لا مفر لك إذا أردت إدراك هذا السر أن تتحاشى هذا المحذوف ليس في الذكر فحسب، بل في الخطور النفسي؛ لأن هيئة العبارة وجمال الأسلوب يروم منك ذلك، وعميلة التذوق لا تتم إلا به، ولا يعترض بما يقتضيه الإعراب؛ لأن هذا سياق وذلك سياق آخر، البلاغة تحتم أن تحذف المبتدأ من نفسك، والنحو يقرر أن تقدره في لفظك حتى لو قلت: هو فتى قلت: ما الأصل أن يقال، وهذا مبحث شريف.
وقد يحذف المسند إليه للإشارة إلى أن الخبر لا يتوهم أن يكون لغيره،
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 174