اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 161
ولأبي يعقوب يوسف السكاكي عبارة تحوم حول هذا المعنى الدقيق، فقد ذكر في أغراض الحذف تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ، أي أنك حين تذكر المسند إليه، أو المسند، تكون قد عولت في الدلالة على اللفظ المذكور، وحين تحذف أحدهما تكون قد عولت في الدلالة على العقل؛ لأنه ليس هناك لفظ يدل عليه، ودلالة العقل أقوى، وأمكن من دلالة اللفظ، وقال أبو يعقوب: تخييل العدول ولم يقل العدول؛ لأنك عند التحقيق لا تعدل في حالة الحذف عن دلالة اللفظ إلى دلالة العقل؛ لأن الدال هو اللفظ المحذوف.
وأخلص من هذا إلى أن كل صور الحذف وراءها مزايا ثلاث؛ الأولى: الاختصار، أو الإيجاز حتى لا يرد علينا اعتراض ابن السبكي؛ لأن الاختصار هو الحذف، فكيف يكون مزية له؟ والثانية: صيانة الجملة من الثقل، والترهل اللذين يحدثنا من ذكر ما تدل عليه القرينة، والثالثة: إثارة الفكر والحس بالتعويل على النفس في إدراك المعنى.
أما أحوال حذف المسند إليه، ومقاماته الداعية إلى ذلك، فمن الواضح أنه ليس من الممكن أبدًا أن تستقصى؛ لأن الدواعي كما أشرنا أحوال تنبعث في دواخل النفوس، ولا يمكن التعرض لحصرها، وإنما نتناول منها صورا تهدينا إلى طريقة النظر في هذا الباب.
وقد ذكر البلاغيون أنه من مألوف الأسلوب عن ذكر الديار أن يرد الكلام على حذف المسند إليه، وذلك في مثل قول امرئ القيس: "من الطويل"
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يمان
ديار لهند والرباب وفرتني ... ليالينا بالنعف من بدلان
ليالي يدعوني الهوى فأجيبه ... وأعين من أهوى إلي روان
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى الجزء : 1 صفحة : 161