responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى    الجزء : 1  صفحة : 157
"فقلت: يمين الله أبرح قاعدا"، وهو يريد يمين الله لا أربح، ولكن لما كثر في كلامهم استعمال هذا الفعل مع النفي، واشتهر بذلك وصار لسان الحال ناطقا بمراده حذفه، وقثد يقال: إن الحذف مناسب للسياق؛ لأنه وارد في محاورته مع صاحبته، وهو يدب دبيبه الحذر الماجن، وهي تقول في ضعف عابث: سباك الله إنك فاضحي، فحسن الحذف واللمح، وخاصة أن حديث المجون لحن وإسرار.
وأبين من هذه كله قوله تعالى: في حكاية قول أخوة يوسف لأبيهم: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [1]، والأصل لا تفتأ تذكر يوسف حتى تفنى وتبلى، والحرض ما لا يعتد به، قال ابن أبي الإصبع: إنه سبحانه أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنسبة إلى أخواتها، فإن والله وبالله أكثر استعمالا وأعرف عن الكافة، من تالله لما كان الفعل الذي جاور القسم أغرب الصيغ التي في بابه، فإن كان وأخواتها أكثر استعمالًا من تفتأ وأعرف عند الكافة، ولذلك أتى بعدها بأغرب ألفاظ الهلاك، وهي لفظة الحرض.
وهذا السياق الذي تتزاحم فيه الكلمات الغريبة مشيعة جو الغرابة، والوحشة مناسب لمقصودهم الذي يريدون حمل أبيهم عليه، فهم يريدون أن ينسى يعقوب عليه السلام ولده، وليس في الغرائب أغرب من هذا، وحذف حرف النفي، وهو خلاف الأصل يأتي متلائما مع هذا السياق الغريب، ويرمز في خفاء إلى حاجتهم، وهي نسيان يوسف، وإبعاده من قلب أبيهم الذي ضاق بهم، وتولى عنهم من أجل يوسف.
وإذا كان لك أن تعترض على ما ذكرناه من أنوع هذه الحذوف، فإني أخالك لا تعترض على ما نراه في حذف حرف النداء حين يقع موقعا تعظم فيه المزية، ويلطف فيه الإيماء.

[1] يوسف: 85.
اسم الکتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني المؤلف : محمد محمد أبو موسى    الجزء : 1  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست