responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة    الجزء : 1  صفحة : 398
وقد تعين أن أورد هنا ما وقع، في النظم، من التشبيه الذي هو غير بليغ، لينفتح هن الطالب وتصفو مرآة ذوقه، فقد عاب الأصمعي بين يدي الرشيد قول النابعة:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر المريض إلى وجوه العوّد
فقال: يكره تشبيه المحبوب بالمريض، ومثله قول أبي محجن الثقفي في وصف قينة:
ترجع العود أحيانًا وتخفضه ... كما يطير ذباب الروضة الغرد
قد تقدم القول، وتقرر أن المولدين ومن تبعهم رغبوا عن تشابيه العرب، لأنها مع عقادة التركيب لم تسفر عن كبير أمر. وقال ابن رشيق، في العمدة: إن طريق العرب خولفت في كثير من الشعر إلى ما هو أليق بالوقت وأمس بأهله، فإن القينة الجميلة لم ترض أن تشبه نفسها بالذباب، كما قال أبو محجن. ومثل ذلك قول ابن عون الكاتب:
يلاعبها كف المزاج محبة ... لها وليجري الآن بينهما الأنس
فتزبد من تيه عليه كأنها ... عزيزة خدر قد تخبطها المس1
بشاعة هذا التشبيه تمجها الأذواق الصحيحة، وتنفر منها الطباع السليمة، فإن أهل الذوق ما يطيب لهم أن يشربوا شيئًا يشبه زبد المصروع.
ومن التشابيه الغريبة، التي جمعت بين عدم البلاغة وعقادة التركيب، قول الشاعر:
فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرًا رسومها قلما
التقدير فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كان قلما خط رسومها.
وعدوا من التشابيه التي هي غير بليغة، قول الشاعر في وصف الروض:
كأن شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روين من الدماء
فهذا وإن كان تشبيهًا مضيئًا فإن فيه بشاعة كثرة الدماء، التي تعاف الأنفس اللطيفة رؤيتها، وثبوت هذا النقد اتصل بالمتأخرين، ونقدوه على الحاجري في قوله:
وما اخضر ذاك الخد نبتًا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر2

1 تزبد: تغضب حتى يخرج الزبد من فيها. التيه: الكبر والفخر. الخدر: خباء المرأة. المس: الجنون.
2 المرائر: جمع مرارة وهي غدة تفرز الصفراء لتساعد على هضم المواد الدهنية وتكون لاصقة بالكبد.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة    الجزء : 1  صفحة : 398
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست