اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 317
وكان المجلس العالي القضائي عبد الرحمن بن الخراط الشافعي ممن حسن بيانه إيضاح، وللسر عنده حسن إيداع، وللأدب إليه التفات، لأنه بجواهر ترصيعه يشنف الأسماع، وهو الفاضل الذي إذا نظم أزال، بسهولة نظمه، الإبهام والتوهيم، وإذا نثر عقود الإنشاء فلا فرق بين عبد الرحمن وعبد الرحيم، يحسن في المطالعة والأمثلة الشريفة طيه ونشره، وهو من الشعراء فيما يبعد من القصص إذا علا في تفسيرها أمره، فلذلك رسم بالأمر الشريف لا زالت براعة المطلب منظومة في بديع زمانه بإنعامه، ولا برحت أبوابه الشريفة في تصريع وتشريع لوفود أهل الأدب في أيامه، أن يستقر لأنه ممن يحسن في التحبير، ويحصل به الاكتفاء والتتميم، ويجمع من نظمه ونثره بين التحميس والترسل، فيحسن الجمع بهذا التقسيم، فليباشر ذلك ويجعل الاستعانة بالله، ليأمن من التنكيت والتعليل، ويصير لشقة الإنشاء بعد النقص تسهيم وتكميل، ويظهر لبرد الكلام بحسن تفصيله تفويف وتوشيع[1]. ولأصول التهذيب والتأديب مبالغة وتفريع، والوصايا كثيرة لا تخفى على الأديب الفاضل، الاحتراس والفرق بين المستوي والمقلوب، وبه يحصل النسق في جميع الفرائد، وتظهر براعة التخلص في عنوان كل مطلوب، لأنه الفاضل الذي إن سكن ثغرًا لم يفته شنب التورية بحسن نظامه، أو جاور بحرًا فهو أديب والبحور في تصريف أوامره في نقضه وإبرامه، والله تعالى يجعل نظم هذا الثغر بحسن أدبه في بلاغة وانسجام، وكما أحسن له الابتداء يعضده بديع السموات والأرض بحسن الختام.
وقد طال الشرح في نوع التوجيه ولم يبق للإطالة وجه. وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في هذا النوع:
خلت الفضائل بين الناس ترفعني ... بالابتداء فكانت أحرف القسم
الشيخ صفي الدين قصد في توجيه بيته بعض قواعد النحو، وهو بيت عامر بالمحاسن. وقد تقدَّم ما أوردناه من هذا القسم.
وبيت بديعيتي:
وأسود الخال في نعمان وجنته ... لي منذر منه بالتوجيه للعدم
التوجيه، في هذا البيت، من القسم المقدم على التوجيه في قواعد العلوم، وقد تقدم فيه أن يوجه المتكلم كلامه، إلى أسماء متلائمة اصطلاحًا من أسماء الأعلام، [1] التوشيع: التوشيه وهو أحد مصطلحات علم البديع.
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 317