اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 316
كأني بمتأمل نظر في رسم كتابة هذا الزجل، فأنكره لبعده عن رسم الألفاظ المعربة الخالية من اللحن، ويعذر في ذلك، لأنه ليس له إلمام بمصطلح رسمه؛ ومن رسمه على غير هذا الطريق لم ينفذ له مرسوم، فإنه يؤديه إلى خطأ وزنه، وعراف لحنه. ومصنفه، أبو بكر بن يحيى بن قرمان الوزير، قال في خطبته: وقد جردته من الإعراب، تجريد السيف من القراب. ولم يطلب من الزجل غير عذوبة ألفاظه وغرابة معانيه. انتهى.
ومن التواجيه اللطيفة في الطب، ما اتفق أن بعض الملوك خرج لقتال أعدائه، فأيده الله بنصره، فطلب كاتب إنشائه ليكتب على الفور حكاية الحال، فتعذر وجوده في ذلك الوقت، فطلب طبيبيه وأمره بالكتابة بسرعة، وكان الطبيب حاذقًا فكتب موجهًا في صناعته: أما بعد فإنا كنا مع العدو في حلقة كدائرة البيمارستان3، حتى لو رميت مبضعًا لم يقع إلا على قيفال4، ولم يكن إلا كجس نبضة أو نبضتين، حتى لحق العدو بحران عظيم. فهلك بسعادتك يا معتدل المزاج. وكان أبو الحسين الجزار ونصير الدين الحمامي وسراج الدين الوراق لم يخرجوا عن هذا النوع في غالب نظمهم، ويأتي الكلام على ذلك في مواضعه من باب التورية، وأما توجيه أسماء أنواع البديع فهو نسيج وحده، وواسطه عقده وما ذاك إلا أنه رسم لي بإنشاء توقيع المقر الأخوي الزيني، عبد الرحمن بن الخراط الشافعي، أحد أعيان العصر في الأدب، بكتابة السر بثغر طرابلس، وأنا منشئ ديوان الإنشاء الشريف الميدي بالديار المصرية، فقصدت التوجيه بالأنواع المذكورة لتحصل الملاءمة ومراعاة النظير بذلك، فإن صاحب التوقيع من المتميزين على كلا الحالين بحسن الأدب، فمن ذلك قولي في فصل التعدية، وبعد فمنهل إنعامنا الشريف قد حلينا لأهل الأدب مورده، لتصير عقود إنشائنا بجواهر منثوره منضده، وتطلع كل براعة باستهلالها في أشرف الطالع، وتسكن النزاهة طباق البديع للمقابلة فيتنزه الناظر والسامع، ويقوم الاستخدام بما يجب عليه من واجب الخدمة، ويزيل الاقتباس بنوره عن أهلته كل ظلمة، وتجول خيول الاستطراد في رد العجز على صدره، ويحصل لأهل الأدب في زماننا تمكين فيظهر الافتتان في نظمه ونثره، ويصير لفقه المذهب الكلامي في أيامنا الشريفة ترشيح ومماثلة ومناسبة، ويبرز في توشيح التسليم من غير اعتراض مناقضة ومواربة، ويجنح العصيان إلى الدخول تحت الطاعة، ويسمع القول بموجبه من غير مراجعة في كل براعة، ويزول التجاهل بالعارف، ويصير التسجيع والمواربة عند إيجازه بالمواقف.
1 البيمارستان: المستشفى "فارسية معربة".
2 القيفا: الوريد الذي في جانب العضد "معربة".
اسم الکتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب المؤلف : الحموي، ابن حجة الجزء : 1 صفحة : 316