اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 209
فقلت: -وأنا ممسك الجريدة بيدي- ليس في أخبار اليوم ما يستلفت النظر، اللهم إلا خبر وزارة المعارف بتعميم التعليم، ومحاربة الأمية.
"ولم يمهلني الرجل أتم كلامي؛ لأنه اختطف الجريدة من يدي دون أن يستأذنني؛ وابتدأ بقراءة، ما يقع تحت عينيه، ولم يدهشني ما فعل؛ لأني أعلم الناس بحدة الشراكسة، وبعد قليل وصل القطار محطة شبرا، وصعد منها أحد عمد القليوبية، وهو رجل ضخم الجثة كبير الشارب أفطس الأنف، له وجه به أثار الجدري، تظهر عليه مظاهر القوة والجهل، جلس العمدة بجواري، بعد أن قرأ صورة الفاتحة وصلى على النبي ... ثم سار القطار قاصدًا قليوب.
"مكث الشركسي قليلًا يقرأ الجريدة، ثم طواها وألقى بها على الأرض، وهو يحترق من الألم، وقال:
- يريدون تعميم التعليم، ومحاربة الأمية حتى يرتقي الفلاح إلى مصاف أسياده، وقد جهلوا أنهم يحنون جناية كبرى.
فالتقطت الجريدة من الأرض، وقلت:
- وأية جناية؟
- إنك ما زلت شابا لا تعرف العلاج الناجع لتربية الفلاح.
- وأي علاج تقصد؟ وهل من علاج أنجع من التعليم؟
فقطب الشركسي حاجبيه، وقال بلهجة الغاضب:
- هناك علاج آخر.
- وما هو؟
فصاح بملء فيه صيحة أفاق لها الأستاذ من نومه، وقال:
- السوط. إن السوط لا يكلف الحكومة شيئًا، أما التعليم فيتطلب أموالًا طائلة، ولا تنس أن الفلاح لا يذعن إلا للضرب؛ لأنه اعتاده من المهد إلى اللحد:
"وأردت أن أجيب الشركسي، ولكن العمدة -حفظه الله- كفاني
اسم الکتاب : تطور الأدب الحديث في مصر المؤلف : أحمد هيكل الجزء : 1 صفحة : 209