اسم الکتاب : تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر المؤلف : ابن أبي الأصبع الجزء : 1 صفحة : 420
وليكن كلامك سليماً من التكلف، بريئاً من التعسف، وليحط لفظك بمعناك، وتشتمل عبارتك على مغزاك، واحذر الإطالة إلا فيما تحمد فيه، فإن البلاغة لمحة دالة، وقيل: سرعة جواب في صواب، وقيل: أن تقول فلا تبطئ، وأن تصيب فلا تخطئ، والصحيح من حدها أنها إيضاح المعنى بأقرب الطرق أسهلها، وإذا روعي الاشتقاق فيها قيل في حدها: هي بلوغ المتكلم بعبارته أقصى ما في نفسه، وإيصال ذلك لمخاطبه بأقرب الطرق وأسهلها والعي إكثار من مهدار، وإخطاء بعد إبطاء، كما جاء في المثل: " سكت ألفاً ونطق خلفاً ".
وقدر اللفظ على قدر المعنى لا زائداً عليه، ولا ناقصاً عنه، كما قيل في مدح بعض البلغاء: كانت ألفاظه قوالب لمعانيه، وقيل في آخر: كان إذا أخذ شبراً كفاه، وإن أخذ طوماراً ملأه واستعمل التطويل في مكانه، والتقصير في مكانه، فقد قيل: إذا كان الإيجاز كافياً، كان الطويل عياً، وإذا كان التطويل واجباً، كان التقصير عجزاً ولهذا حد بعضهم البلاغة بأنها إيجاز من غير إخلال، وإطناب من غير إملال، وما أحسن ما أنشده الجاحظ في هذا الموضع، وهو كامل:
يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء
اسم الکتاب : تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر المؤلف : ابن أبي الأصبع الجزء : 1 صفحة : 420