اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 382
بل يظل معها ساقطاً على منازل أكثرهم، فإن العميدي قد أوقع نفسه في ورطة أكيدة، لأنه حين قبل أنصار المتنبي أن يسلموا بأخذه للمعاني إلا أنه يزيد فيها ما " يحلو سماعه وتعذب أنواعه ويلطف موقعه ويخف على القلوب موضعه؟ " [1] أنكر عليهم ذلك، وما أراه إلا منكراً على نفسه ما قرره في البداية، وسبب هذا التناقض هو زيف القاعدة التي بنى عليها النقد، ومتى كان المدخل إلى النقد هو التحامل المورى بالإنصاف المنتحل، فإن مصير هذا التحامل إلى الانكشاف والافتضاح لان الإنصاف حينئذ لا يكون إلا دعوى مزورة ومظهراً كاذباً.
منهجه في الغمز العنيف
لهذا كان العميدي أشد سخطاً، واظهر نقمة من ابن وكيع، لاذع التعليقات كقوله: " لقد تصبب عرقاً وتقلب أرقاً حتى استنبط هذا المعنى البديع " [2] لا يكاد يسلم له بحق الإجادة، حيث يجيد، إلا مكرهاً، عنيفاً إذا وجد أدنى مغمز مثل: " وهذا الكلام لا يخرج إلا من سوء أدب وقلة معرفة بخدمة الملوك؟ " [3] أو كقوله: " بكم الخرس أحسن من هذا الكلام العامي الغث والنظام الفاسد الرث " [4] . وهو سيئ الظن بالمتنبي، يعتقد - ويبني على اعتقاده نقده - ان المتنبي اطلع على دواوين الشعراء المكثرين فأخذ منها كل معنى جيد، وغنما اعتمد المكثرين لان اشعاره المقلين تعرف وتشتهر بسهولة لقلتها، فإذا أخذ من المكثرين خفيت سرقاته [5] ، ولو فاء العميدي إلى الإنصاف لحظة لأدراك ان هذا كله لا يصنع قصيدة، فكيف يخلق شاعراً؟ [1] الإبانة: 149. [2] الإبانة: 33. [3] الإبانة: 39. [4] نفسه: 63. [5] انظر الإبانة: 125.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 382