اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 378
ما معنى كتابة الإبانة بعد تأليف " المنصف "؟
وهذا الذي ذكره القفطي هو رسالته التي تسمى " الإبانة عن سرقات المتنبي " [1] وهي تجري مجرى " المنصف " في دواعيها وغايتها، فإما أن مؤلفها لم يطلع على كتاب ابن وكيع، وغما أنه اطلع عليه ووحد لدى نفسه زيادة استقصاء في تبيان سرقات المتنبي أحب إثباتها في رسالة؛ وتبرهن هذه الرسالة على أن الإعجاب بابي الطيب في البيئة المصرية لم يؤثر فيه كتاب " المنصف " شيئاً وأنه استمر بعد ابن وكيع سنوات كثيرة، ظل المعجبون بالمتنبي في خلالها مثار نقمة كبيرة لدى خصومهم: " ولقد جرى يوماً حديث المتنبي في بعض مجالس أحد الرؤساء، فقال أحد حاملي عرشه: سبحان من ختم بهذا الفاضل الفحول من الشعراء وأكرمه، وجمع له من المحاسن ما بعثره في كل من تقدمه، ولو أنصف لعلق شعره كالسبع المعلقات من الكعبة، ولقدم على جميع شعراء الجاهلية في الرتبة، ولكن حرفة الأدب لحقته، وقلة الإنصاف محت اسمه من جرائد المتقدمين ومحقته " [2] ؛ كانت المشكلة التي يريد إقرارها المعجبون بابي الطيب انه " أشعر شاعر " عرفته العربية، فيفزع العميدي - كما فزع ابن وكيع - إلى حكم الذوق المألوف حينئذ فيحطه عن درجة أبي تمام والبحتري، ويزيد على صاحبه بتفضيل مسلم بن الوليد وابن الرومي عليه. هذا مع أنه كصنوه ابن وكيع لا ينكر أنه شاعر قدير: " ولست - يعلم الله - اجحد فضل المتنبي وجودة شعره وصفاء طبعه وحلاوة كلامه وعذوبة ألفاظه ورشاقة نظمه، ولا أنكر استكماله لشروط الأخذ إذا لحظ المعنى البديع لحظاً، واستيفاءه حدود الحذق إذا سلخ المعنى فكساه من عنده لفظاً، ولا أشك في معرفته بحفظ التقسيم الذي يعلق بالقلب موقعه، وإيراد التجنيس الذي يملك النفس مسمعه، [1] نقلها البديعي في الصبح المنبي، ونشرت منفردة (في طبعة غير مؤرخة) ثم نشرت ثانية بتحقيق إبراهيم الدسوقي (دار المعارف بمصر 1961) . [2] الإبانة: 21.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 378