اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 330
الغامضة وقصد الأغراض الخفية فاحتمل فيها كل غث ثقيل؟ " [1] . وهذا لا يصيب شعر أبي تمام كله ولا يسقطه جملة، ولذلك يعتذر الجرجاني فوراً إثر هذا الكلام مخافة أن يساء الظن بنده فيقول: " ولست أقول هذا غضاً من أبي تمام ولا تهجيناً لشعره ولا عصبية عليه لغيره، وكيف وأنا أدين بتفضيله وتقديمه وانتحل موالاته وتعظيمه وأراه قبلة أصحاب المعاني وقدرة أهل البديع " [2] .
سبب التفاوت في أبيات القصيدة، وفي القصيدة
وهذا المذهب من أبي تمام وأمثاله هو الذي جعل أبيات القصيدة الواحدة لديهم متفاوتة، فالشاعر منهم إذا جرى على الطبع الحضري في تضاعيف قصيدة مسبوكة على الطريقة البدوية رق شعره حتى بدا خنثاً بنسبة ما يجاوره من أبيات، فإذا انساق مع طبعه الحضري إلى غاية جاء بأحسن نظام، حتى إذا أدركه الميل إلى البداوة تسنم اوعر طريق فطمس ما قدمه من محاسن ومحا طلاوتها [3] . وليست السهولة هي الضعيف والركاكة وغنما هي النمط الأوسط المرتفع عن السوقي، النازل عن البدوي الوحشي [4] .
على أن التفاوت لدى الشاعر الواحد يقتضيه اختلاف الموضوعات، فليس أسلوب الغزل - في ألفاظه وتراكيبه - كأسلوب الفخر، ولا المدح كالوعيد، ولا الهزل كالجد، بل لابد أن تقسم الألفاظ على رتب المعاني في الشعر والنثر على السواء [5] . وهذا التفاوت لا يقضي على الاستواء المستمر في الموضوع الواحد فذلك يتحقق " برفض التعمل والاسترسال للطبع وتجنب الحمل عليه والعنف به، ولست اعني بهذا كل طبع، بل المهذب الذي قد [1] الوساطة: 19. [2] الوساطة 19 - 20. [3] الوساطة: 22. [4] الوساطة: 24. [5] نفسه.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 330