اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 323
قال: " ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض " [1] ؛ وقد كان الآمدي صريحاً في موقفه حين وجد أبا تمام قد خرج في محاولته على عمود الشعر، أما الجرجاني فلم يصرح عن رأيه في صلة المتنبي بعمود الشعر، غير انك تلمح من طرف خفي أن الشروط الستة التي وضعها تنطبق على المتنبي تماماً، فإذا طالعته بمعنى مستكره أو وصف غير مصيب أو استعارة مفرطة، دعاك إلى أن لا تحكم ببيت على أبيات، وبشاذ مفرد على مستو غالب. على أن الآمدي رفض اعتبار توليد المعاني أساساً في الشعر [2] ، ولو أخذنا رأيه ذاك على علاته، لوجدنا أبا الطيب أربى على أبي تمام وعلى كل شاعر آخر في هذا الباب، ومع ذلك فإن الجرجاني خرج من هذا المأزق بقوله: " شرف المعنى وصحته "، فلم يعد من فرق بين أبي تمام والمتنبي إلا في التزام الأول منهما - في إسراف - كثرة التجنيس والمطابقة والاستعارة المفرطة، وعلى هذا فغن الجرجاني كان يتصور أن الصنعة البديعية هي الفارق الوحيد بين ما يسمى " عمود الشعر " وما هو خارج عنه، أما عند الآمدي فقد كان الفرق بينهما أكبر من ذلك بكثير، إذ لو سلمنا بحكم الآمدي، لكان المتنبي في هذا الموقف كأبي تمام.
اعتماد الجرجاني على الآمدي في قضية السرقات
كذلك اعتمد الجرجاني آراء الآمدي في مشكلة السرقات ولكنه طورها وأمعن في التدقيق والتحليل. وفي سبيل أن نتذكر ما قاله صاحب الموازنة نعيد مجمل رأيه في هذه القضية: فهو قد ذهب إلى أن المعاني المشتركة التي شاعت بين الناس لا يعد تداولها سرقاً، وأن التشابه في الألفاظ ليس من الشرقة في شيء، على أساس هذين المبدأين رد الآمدي كثيراً من السرقات التي [1] الوساطة: 34. [2] قد بينا شيئاً من تناقض الآمدي في هذا حين جعل ميزة امرئ القيس الكبرى في المعاني المبتكرة (انظر ص: 161) .
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 323