اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 319
ليس من جنس ما عد كذلك في حال امرئ القيس أو ذي الخرق الطهوي أو الفرزدق. وعد " اشرب " وأمثالها يدل على ان القاضي الجرجاني لم تكن لديه أية فكرة عن اختلاف اللهجات وتطور الاستعمال اللغوي. كذلك فإن كثيراً من الأخطاء المعنوية تشير إلى مرحلة حضارية خاصة: مثل " لو يقوم الفيل أو فياله " فنسبة القوة إلى الفيال توهم خالص ممن لم ير فيالاً أو فيلاً؛ ومثل " ولم تذق من البقول الفستقا "، قول لا يصدر إلا عمن سمع بشيء اسمه الفستق ولم يره، وهذا كثير، لا يقاس عليه حال الشاعر الذي اتسعت لديه مجالات الحضارة. ومن أخطار القياس أيضاً الإيهام المنطقي: كقياس حال العقيدة وعلاقتها بالشعر، فلو أن ناقداً قال للجرجاني من موقف مخالف له: أنا لا أطالب الجاهلين بمقاييس دينية إسلامية وهم قد عاشوا قبل الإسلام ولكني أنكر على المتنبي مثلما أنكر على أبي نواس أن يصدمني أحدهما أو كلاهما في شعوري الديني، لكان موقفه طبيعياً منسجماً تمام الانسجام مع مشاعره، ولما صح للجرجاني قياس المتنبي على الجاهليين. كذلك فإن قياسه على أبي نواس غير مقنع، لان ما يصدم المشاعر الدينية أو الوطنية أو العقائدية إجمالاً ليس من قبيل الخطأ في الاستعارة أو الإفراط في الشعر، إذ الأول يتطلب من الناقد جهداً بالغاً للفصل بين مجالين والثاني يتطلب منه لباقة في التوجيه والتفسير. وقل في الناس من يستطيع أن يتجرد من علاقاته المبدأية ليباشر الحكم على الشعر من زاوية فنية خالصة. فالصدمة في هذا المجال لا تعالج بالمقايسة.
انتهاء المقايسة عند الباب المسدود
وقد تنتهي المقايسة كما انتهت الموازنة عند الحاجز الذي يفصل بين الواقع والغيب، أو بين ما يعلل وما لا يعلل، بل لقد انتهت كلتاهما إلى ذلك حقاً، فوقف الجرجاني، كما وقف الآمدي من قبل - بعد أن أقر يالعيوب في شعر المتنبي وعدد أنواعها من غلط ولحن واختلال وإحالة وتعسف وغثاثة وركاكة وإفراط في الاستعارة وإكثار لذا الإشارية وتعقيد في التركيب؟ الخ؛
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 319