اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 316
بكل الأخطاء التي يوردها الخصوم؛ وبما هو أكثر منها، في سبيل أن يعود هذا الفريق - في حالة من مراجعة الضمير - إلى تقبل ما يسميه فريق الأصدقاء فضائل، دون محاولة إحصائية كالتي حاولها الآمدي، وإنما لإقرار الحق، تكافؤاً كانت النتيجة أو رجحاناً للحسنات أو رجحاناً للسيئات؛ لا فرق، ما دمنا قد وصلنا إلى أن نعترف بكفتي الميزان قائمتين على نحو من التقارب دون انتفاء إحداهما.
لماذا نجح الجرجاني في التوسط حيث أخفق الآمدي
وقد كان المتنبي نفسه - كما صوره الحاتمي - هو الذي فتح هذا الباب ليدخل منه القاضي الجرجاني، فهو يقول للحاتمي: " فهؤلاء المبرزون في حلبات الشعر السابقون إلى حلو القول ومره والذين وقع الإجماع على تقدمهم في ضروبه وفتحهم ما استغلق من أبوابه ليس منهم إلا من قد طعن على شعره ومن قد أخل بالإحسان مع تناصر إحسانه؟ الخ " [1] ؛ ويقول له في موضع آخر: " من هذا الذي تعرى من الاتباع والاحتذاء " [2] ، ولو لم يكن الحاتمي مأخوذاً بحدة الانفعال لتنبه إلى هذا الذي تنبه له القاضي الجرجاني، وهو موقف نساني ليس من الصعب أن يتنبه المرء له، ولكن ربما كان من الصعب تطبيقه. ولهذا نستطيع أن نقول إن الجرجاني أبدى قدرة فائقة في الموقف النقدي، فكان بذلك جديداً في تاريخ النقد، وبيان ذلك أننا حيث وجدنا النزاع النقدي قائماً حول أديب واحد، أو دائراً في نطاق المفاضلة بين أديبين، فقد طالعنا دائماً العجز عن التوسط بسبب الميل المتأصل في طبيعة الذوق، وقد حاول الآمدي أن يكون منصفاً في الحكومة بين البحتري وأبي تمام فعجز عن ذلك رغماً عنه، وما كان الآمدي إلا معلماً للجرجاني، فنجح الآمدي نظرياً فقط بينا نجح تلميذه في منهجه نظرياً [1] الموضحة: 84. [2] الموضحة: 143.
اسم الکتاب : تاريخ النقد الأدبي عند العرب المؤلف : إحسان عباس الجزء : 1 صفحة : 316