لغرضنا التاريخي.
المستحسنة:
أما المستحسنة فهي التي عرفت في لغة من يوثق بعربيته وتستحسن في قراءة القرآن وإنشاد الشعر, بحيث لا تشوب المنطق منها هُجنة أو زراية، وهي:
1- النون الخفيفة التي يكون مخرجها من الخياشيم. كما تقول "عنك" تخرج النون بغنة من الخياشيم، وهذه النون في منطق كثير من أشراف العرب، ومن لغاتهم أنهم يستجيزون في الشعر جمع الميم والنون في القوافي لاجتماعهما في الغنة التي ترتفع إلى الخياشيم، وعليها قول الراجز:
بني إن البر شيء هين ... المنطق اللين والطعيم
ينطقها "الطُّعَيِّن1" للقافية. وقال آخر:
ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني
لمثل هذا ولدتني أمي
ينطقها "أُنِّي".
2- الهمزة التي بين بين "التسهيل"؛ وهي التي تقع متحركة بعد ألف؛ فإنهم ينطقون بها حرفًا بين الهمزة وبين حرف حركتها، ويجعلون الحركة التي عليها -أي: الهمزة- مختلسة سهلة بحيث تكون كالساكنة وإن لم تسكن؛ فينطقون بها بحرف بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة نحو: تساءل، وبينها وبين الواو إن كانت مضمومة نحو: تفاؤل، وبينها وبين الباء الياء إن كانت مكسورة نحو: قبائل.
وهذا الحرف المنطوق به يسمى الهمزة المسهلة أيضًا، وذلك في لغة قريش وأكثر أهل الحجاز: يخففون الهمزة؛ لأنها أدخل في الحلق ولها نبرة تجري مجرى التهوع[2] فثقلت بذلك على ألسنتهم, ويروى عن علي أنه قال: نزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأصحاب نبر، ولولا أن جبريل عليه السلام نزل بالهمزة على النبي صلى الله عليه وسلم ما همزنا. أما تحقيق الهمزة فهو الأصل، وهو لغة تميم وقيس.
لغات في التخفيف:
والتسهيل نوع من أنواع التخفيف المقررة في علم الصرف، ولا محل لبسط ذلك في هذا الكتاب، ولكنا نذكر منه أمثلة من لغاتهم فيه جريًا على طريقتنا من جمع الصور التاريخية لهذه اللغة كما سنفصله3:
فمن العرب من يبدل الهمزة المفتوحة إذا كانت منفصلة -أي: بين كلمتين- إلى لفظ ما قبلها
1 قلت: والطعيم: تصغير الطعام. [2] يريد أن صوت الهمزة في مخرجها من الحلق يشبه صوت من يتكلف القيء.
3 نتقدم إلى القراء أن يتقصصوا ما ذكرناه من لغات العرب وما نذكره وما سنذكره منها في الفصول التالةي؛ لأنها في حقيقتها درجات تاريخية، ثم هي بجملتها لا يجمعها كتاب كائنًا ما كان لمتقدم أو متأخر.