ثم قال ابن دريد في امتزاج الحروف وسر التأليف في أبنية كلامهم بمراعاة المخارج المتباعدة والمتقاربة وملاءمة بعضها لبعض مما هو حقيقة الأسباب اللسانية: أعلم أن أحسن الأبنية أن يبتنوا بامتزاج الحروف المتباعدة؛ ألا ترى أنك لا تجد بناء رباعيا مصمت الحروف لا مزاج له من حروف الذلاقة[1] إلا بناء يجيئك بالسين وهو قليل جدا: مثل عسجد، وذلك أن السين لينة وجرسها من جوهر الغنة، فلذلك جاءت في هذا البناء، فأما الخماسي: مثل فرَزَدَق وسفرجل، فإنك لست واجده إلا بحرف أو حرفين من حروف الذلاقة من مخرج الشفتين أو أسلة اللسان "طرفه" فإذا جاءك بناء يخالف ما رسمته لك: مثل "دمشق وضغج حضافج وضقهج، أو مثل عقجش2" فإنه ليس من كلام العرب فأردده؛ فإن قومًا يفتعلون هذه الأسماء بالحروف المصمتة ولا يمزجونها بحروف الذلاقة، فلا تقبل ذلك. فأما الثلاثي من الأسماء والثنائي فقد يجوز بالحروف المصمتة بلا مزاج من حروف الذلاقة: مثل خدع، وهو حسن، لفصل ما بين الخاء والعين بالدال فإن قلبت الحروف قبح؛ فعلى هذا القياس فألف ما جاءك منه وتدبره، فإنه أكثر من أن يحصى. [1] انظر مخارج الحروف وأقسامها في الفصل التالي.
2 هذه الكلمات أمثلة مفتعلة لا معنى لها.