ذهبت سلمى وقد سمعت، ويقولون: مُزَّمان، ومُسَّاعة، في "مذ زمان ومذ ساعة" وأغرب من ذلك قول بعضهم: حَدَّتُّهم "وهي العامية المعروفة اليوم" ومنهم من يقول: هشَّيء في هل شيء, وهَتُّعين في هل تعين, وقد وردت الكلمتان في الشعر[1].
ومراتب الثقل متفاوتة عند العرب، فقد يقل الشيء من الصحيح في كلامهم وإن كان له بعض نظائر من المعتل مثلًا، كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون، وقد يطرحونه لهذا السبب؛ وقد يقل عندهم ما هو أخف مما يستعملونه لتوهمهم فيه سببا من أسباب الثقل, وقد يطرحونه وغيره أثقل منه في كلامهم لهذا التوهم عينه؛ وقد يدعون البناء من الشيء وهم يتكلمون بمثله في لفظ آخر. وذلك عينه؛ وقد يدعون البناء من الشيء وهم يتكلمون بمثله في لفظ آخر, وذلك كله راجع إلى قيام القريحة المستقلة، فلا يتقيد العربي بمتابعة غيره ولا تقليده في منطقه ناظرًا إلى حقيقة المتابعة والتقليد، بل ذلك أمر طبيعي في جميعهم، يرجعون فيه إلى السليقة، وينزلون منه على حكم الغريزة؛ وقد رأينا سيبويه يقول في باب الإمالة من كتابه بعد أن أشار إلى اختلاف العرب، وأن منهم من يوافق غيره في الإمالة وقد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه، وأن تلك الموافقة ليست تقليدًا من بعضهم لبعض ولكنها طبيعية قال: "فإذا رأيت عربيا كذلك "يخالف أو يوافق" فلا ترينه خلط في لغته، ولكن هذا من أمرهم".
مواقع الحروف اللسانية:
نظر ابن دريد في كتابه "الجمهرة" إلى مواقع الحروف في كلام العرب باعتبار الأسباب اللسانية في دورانها، فرأى أن أكثر الحروف استعمالًا عندهم؛ الواو، والياء، والهمزة، وأقل ما يستعملون منها لتفاوتها في الثقل على ألسنتهم: الظاء، ثم الذال، ثم الثاء، ثم الشين، ثم القاف، ثم الخاء، ثم العين، ثم النون، ثم اللام، ثم الراء، ثم الباء، ثم الميم؛ أما باقي الحروف فهي بين المنزلتين. وقال في موضع من كتابه: اعلم أنه لا يكاد يجيء في الكلام ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة، لصعوبة ذلك على ألسنتهم؛ وأصعبها حروف الحلق، فأما حرفان فقد اجتمعا، مثل أحد، وأهل، ونخع؛ غير أن من شأنهم إذا أرادوا هذا أن يبدءوا بالأقوى من الحرفين ويؤخرون الألين، كما قالوا: وَرَل[2]، ووتد؛ فبدءوا بالتاء مع الدال، وبالراء مع اللام؛ فذق التاء والدال، فإنك تجد التاء تنقط بجرس "صوت" قوي، واللام تنقطع بغتة؛ ويدلك على ذلك أيضًا أن اعتياص اللام على الألسن أقل من اعتياص الراء، وذلك للين اللام. وقال الخليل: لولا بحة في الحاء لأشبهت العين، فلذلك لم يتألفا في كلمة واحدة، وكذلك الهاء، ولكنهما يجتمعان في كلمتين لكل واحدة منهما معنى على حدة، نحو قولهم حيَّهل وحيَّهلًا؛ فحي: كلمة معناها هلم، وهلا: حثيثًا[3]. [1] هذه اللغة قرأ بعضهم: هثوب الكفار، في: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} ويتؤثرون في {بَلْ تُؤْثِرُونَ} وقد بقيت أشياء من هذا الفصل اللساني تتعرفها فيما يأتي بعد. [2] الورل: دابة كالضب، أو العظيم من أشكال الوزغ. [3] يقال: حي هلا الثريد أي: هلم، وحي هلك أيضًا.